للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَقَوْلِهِ: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ الْآيَةَ [٧ \ ٧٧] ، وَقَوْلِهِ: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا الْآيَةَ [٩١ \ ١٤] ، وَقَوْلِهِ: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [٥٤ \ ٢٩] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ

الْآيَةَ [١٧ \ ٦٠] ، بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ; أَيْ فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ يَفْعَلُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشَاءُ فَيُسَلِّطُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِمْ وَيَحْفَظُهُ مِنْهُمْ.

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فَصَّلَتْ بَعْضَ التَّفْصِيلِ فِي هَذِهِ الْإِحَاطَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [٥٤ \ ٤٥] ، وَقَوْلُهُ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ الْآيَةَ [٣ \ ١٢] ، وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [٥ \ ٦٧] ، وَفِي هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَبَعْضُ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَدَنِيٌّ. أَمَّا آيَةُ الْقَمَرِ وَهِيَ قَوْلُهُ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ [٥٤ \ ٤٥] ، الْآتِيَةُ فَلَا إِشْكَالَ فِي الْبَيَانِ بِهَا لِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ.

التَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا جَعَلَ مَا أَرَاهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ فِتْنَةً لِلنَّاسِ ; لِأَنَّ عُقُولَ بَعْضِهِمْ ضَاقَتْ عَنْ قَبُولِ ذَلِكَ، مُعْتَقِدَةً أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا، قَالُوا: كَيْفَ يُصَلِّي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ، وَيَرَى مَا رَأَى فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُصْبِحُ فِي مَحِلِّهِ بِمَكَّةَ؟ هَذَا مُحَالٌ، فَكَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِتْنَةً لَهُمْ لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ بِهِ، وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ، وَأَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا جَعَلَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الَّتِي هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فِتْنَةً لِلنَّاسِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ الْآيَةَ [٣٧ \ ٦٤] ، قَالُوا: ظَهَرَ كَذِبُهُ ; لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ الْيَابِسَةِ، فَكَيْفَ يَنْبُتُ فِي أَصْلِ النَّارِ؟ فَصَارَ ذَلِكَ فِتْنَةً. وَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الشَّجَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِتْنَةً لَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ الْآيَةَ [٣٧ \ ٦٢ - ٦٤] وَهُوَ وَاضِحٌ كَمَا تَرَى. وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِلَى الرُّؤْيَا الَّتِي جَعَلَهَا فِتْنَةً لَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [٥٣ \ ١٢ - ١٨] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ. وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَا تَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>