للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يُمَجِّسُونَ أَوْلَادَهُمْ وَيُهَوِّدُونَهُمْ وَيُنَصِّرُونَهُمْ طَاعَةً لَهُ وَمُوَالَاةً.

وَمِنْهَا تَسْمِيَتُهُمْ أَوْلَادَهُمْ عَبْدَ الْحَارِثِ وَعَبْدَ شَمْسٍ وَعَبْدَ الْعُزَّى وَنَحْوَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ بِذَلِكَ سَمَّوْا أَوْلَادَهُمْ عَبِيدًا لِغَيْرِ اللَّهِ؛ طَاعَةً لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَوْلَادُ الزِّنَى ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا تَسَبَّبُوا فِي وُجُودِهِمْ بِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ؛ طَاعَةً لَهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ بَيَّنَ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ بَعْضَ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُشَارَكَةِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، كَقَوْلِهِ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [٦ \ ١٤٠] فَقَتْلُهُمْ أَوْلَادَهُمُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَاعَةً لِلشَّيْطَانِ مُشَارَكَةٌ مِنْهُ لَهُمْ فِي أَوْلَادِهِمْ حَيْثُ قَتَلُوهُمْ فِي طَاعَتِهِ. وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ بَعْضِ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ طَاعَةً لَهُ مُشَارَكَةٌ مِنْهُ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ أَيْضًا ; وَكَقَوْلِهِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا الْآيَةَ [٦ \ ١٣٦] ، وَكَقَوْلِهِ: وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [٦ \ ١٣٨] ، وَقَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [١٠ \ ٥٩] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُبَيِّنَةِ بَعْضَ مُشَارَكَتِهِ لَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ، مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ» ، وَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ» انْتَهَى.

فَاجْتِيَالُ الشَّيَاطِينِ لَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَتَحْرِيمُهَا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ (فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) وَضُرُّهَا لَهُمْ لَوْ تَرَكُوا التَّسْمِيَةَ (فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي) كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مُشَارَكَتِهِمْ فِيهِمْ. وَقَوْلُهُ: «فَاجْتَالَتْهُمْ» أَصْلُهُ افْتَعَلَ مِنَ الْجَوَلَانِ ; أَيِ اسْتَخَفَّتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَجَالُوا مَعَهُمْ فِي الضَّلَالِ. يُقَالُ: جَالَ وَاجْتَالَ: إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ الْجَوَلَانُ فِي الْحَرْبِ، وَاجْتَالَ الشَّيْءَ: إِذَا ذَهَبَ بِهِ وَسَاقَهُ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: وَعِدْهُمْ ;

<<  <  ج: ص:  >  >>