للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَكُلُّ مَا كَانَ يَنْتَصِبُ كَالْحَائِطِ وَالْعُودِ قِيلَ فِيهِ «عَوَجٌ» بِالْفَتْحِ، وَالْعِوَجُ - بِالْكَسْرِ - مَا كَانَ فِي أَرْضٍ أَوْ دِينٍ أَوْ مَعَاشٍ، يُقَالُ: فِي دِينِهِ عِوَجٌ. اهـ.

وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ فِي الْوَصْلِ عِوَجًا بِالسَّكْتِ عَلَى الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ التَّنْوِينِ سَكْتَةً يَسِيرَةً مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ، إِشْعَارًا بِأَنَّ قَيِّمًا لَيْسَ مُتَّصِلًا بِـ عِوَجًا فِي الْمَعْنَى، بَلْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ جَعَلَهُ قَيِّمًا كَمَا قَدَّمْنَا.

وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ مِنْ لَدُنْهُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ إِشْمَامِهَا الضَّمَّ، وَكَسْرِ النُّونِ وَالْهَاءِ وَوَصْلِهَا بِيَاءٍ فِي اللَّفْظِ، وَقَوْلُهُ: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ [١٨ \ ٢] ، قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ مُشَدَّدَةً، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «يَبْشُرَ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الشِّينِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا.

اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ لَفْظَةَ «لَعَلَّ» تَكُونُ لِلتَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ، وَلِلْإِشْفَاقِ فِي الْمَحْذُورِ، وَاسْتَظْهَرَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ أَنَّ «لَعَلَّ» فِي قَوْلِهِ هُنَا: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ لِلْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْخَعَ نَفْسَهُ لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ «لَعَلَّ» فِي الْآيَةِ لِلنَّهْيِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْعَسْكَرِيُّ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْمَعْنَى: لَا تَبْخَعْ نَفْسَكَ لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ. وَقِيلَ: هِيَ فِي الْآيَةِ لِلِاسْتِفْهَامِ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ. وَإِتْيَانُ «لَعَلَّ» لِلِاسْتِفْهَامِ مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ مَعْرُوفٌ.

وَأَظْهَرُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي مَعْنَى «لَعَلَّ» أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي الْآيَةِ النَّهْيُ عَنِ الْحُزْنِ عَلَيْهِمْ.

وَإِطْلَاقُ «لَعَلَّ» مُضَمَّنَةً مَعْنَى النَّهْيِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ كَثْرَةُ وُرُودِ النَّهْيِ صَرِيحًا عَنْ ذَلِكَ ; كَقَوْلِهِ: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [٣٥ \ ٨] ، وَقَوْلِهِ: وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>