للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ هُنَا حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٍ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [٢ \ ٣٠] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [٢ \ ٧٢] .

وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي كِتَابِهِ هَذَا الْكَلْبَ، وَكَوْنَهُ بَاسِطًا ذِرَاعَيْهِ بِوَصِيدِ كَهْفِهِمْ فِي مَعْرِضِ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِمْ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صُحْبَةَ الْأَخْيَارِ عَظِيمَةُ الْفَائِدَةِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَشَمَلَتْ كَلْبَهُمْ بَرَكَتُهُمْ، فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ النَّوْمِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَهَذَا فَائِدَةُ صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ، فَإِنَّهُ صَارَ لِهَذَا الْكَلْبِ ذِكْرٌ وَخَبَرٌ وَشَأْنٌ. اهـ.

وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.

وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صُحْبَةَ الْأَشْرَارِ فِيهَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ، كَمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الصَّافَّاتِ» فِي قَوْلِهِ: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [٣٧ \ ٥١]- إِلَى قَوْلِهِ - قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ الْآيَةَ [٣٧ \ ٥٦ \ ٥٧] .

وَمَا يَذْكُرُهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي اسْمِ كَلْبِهِمْ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: اسْمُهُ قِطْمِيرٌ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: اسْمُهُ حُمْرَانُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ نُطِلْ بِهِ الْكَلَامَ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ.

فَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُبَيِّنْهَا اللَّهُ لَنَا وَلَا رَسُولُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي بَيَانِهَا شَيْءٌ، وَالْبَحْثُ عَنْهَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ.

وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ يُطْنِبُونَ فِي ذِكْرِ الْأَقْوَالِ فِيهَا بِدُونِ عِلْمٍ وَلَا جَدْوَى، وَنَحْنُ نُعْرِضُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ دَائِمًا، كَلَوْنِ كَلْبِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَاسْمِهِ، وَكَالْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيلُ مِنْ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَاسْمِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُوسَى قَتْلَهُ، وَكَخَشَبِ سَفِينَةِ نُوحٍ مِنْ أَيِّ شَجَرٍ هُوَ، وَكَمْ طُولُ السَّفِينَةِ وَعَرْضُهَا، وَكَمْ فِيهَا مِنَ الطَّبَقَاتِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِي الْبَحْثِ عَنْهُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّحْقِيقِ فِيهِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا الْآيَةَ [٦ \ ١٤٥] حُكْمَ أَكْلِ لَحْمِ الْكَلْبِ وَبَيْعِهِ، وَأَخْذِ قِيمَتِهِ إِنْ قُتِلَ، وَمَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ مِنْهَا وَمَا لَا يَجُوزُ، وَأَوْضَحْنَا الْأَدِلَّةَ فِي ذَلِكَ وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ

، ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ بَعَثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>