للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُؤَوَّلٌ بِمُشْتَقٍّ ; لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلِ: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ فِي حَالِ كَوْنِهِ أَنْوَاعًا وَضُرُوبًا مُخْتَلِفَةً، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ «أَنْ» وَصِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ: أَنْ يُؤْمِنُوا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ ; لِأَنَّهُ مَفْعُولُ «مَنَعَ» الثَّانِي، وَالْمُنْسَبِكُ فِي «أَنْ» وَصِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ ; لِأَنَّهُ فَاعِلُ «مَنَعَ» لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُفْرَغٌ، وَمَا قَبْلَ «إِلَّا» عَامِلٌ فِيمَا بَعْدَهَا، فَصَارَ التَّقْدِيرُ: مَنَعَ النَّاسَ الْإِيمَانَ إِتْيَانُ سُنَّةِ الْأَوَّلِينَ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقُ إِلَّا لِمَا ... بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوْ إِلَّا عُدِمَا

وَالِاسْتِغْفَارُ فِي قَوْلِهِ: وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ هُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ مِنْهُ جَلَّ وَعَلَا لِجَمِيعِ الذُّنُوبِ السَّالِفَةِ بِالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَاتَ، وَالْعَزْمِ الْمُصَمِّمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى الذَّنْبِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ مَا يُرْسِلُ الرُّسُلَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ مَنْ أَطَاعَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِرِينَ مَنْ عَصَاهُمْ بِالنَّارِ، وَكَرَّرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٦ \ ٤٨] ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى الْبِشَارَةِ وَالْإِنْذَارِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ الْآيَةَ [١٨ \ ٢] ، وَانْتِصَابُ قَوْلِهِ «مُبَشِّرِينَ» عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مَا نُرْسِلُهُمْ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِمْ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُجَادِلُونَ بِالْبَاطِلِ، أَيْ: يُخَاصِمُونَ الرُّسُلَ بِالْبَاطِلِ، كَقَوْلِهِمْ فِي الرَّسُولِ: سَاحِرٌ، شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، وَكَقَوْلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، سِحْرٌ، شِعْرٌ، كِهَانَةٌ، وَكَسُؤَالِهِمْ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، وَسُؤَالِهِمْ عَنِ الرُّوحِ عِنَادًا وَتَعَنُّتًا، لِيُبْطِلُوا الْحَقَّ بِجِدَالِهِمْ وَخِصَامِهِمْ بِالْبَاطِلِ، فَالْجِدَالُ: الْمُخَاصَمَةُ، وَمَفْعُولُ «يُجَادِلُ» مَحْذُوفٌ دَلَّ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُهُمُ الْكُفَّارُ بِالْبَاطِلِ هُمُ الْمُرْسَلُونَ الْمَذْكُورُونَ آنِفًا، وَحَذْفُ الْفَضْلَةِ إِذَا دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهَا جَائِزٌ، وَوَاقِعٌ كَثِيرًا فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: كَمَا عَقَدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَحَذْفُ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضُرْ ... كَحَذْفِ مَا سِيقَ جَوَابًا أَوْ حُصِرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>