للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلِهِ: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ [٣٩ \ ٧٣] ، وَقَوْلِهِ: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، كُلُّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ فِيمَا مَضَى أُطْلِقَتْ مُرَادًا بِهَا الْمُسْتَقْبَلُ ; لِأَنَّ تَحَقُّقَ وُقُوعِ مَا ذُكِرَ صَيَّرَهُ كَالْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ تَسْمِيَتُهُ شَيْئًا قَبْلَ وُجُودِهِ لِتَحَقُّقِ وَجُودِهِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ، قَرَأَهُ عَامَّةُ السَّبْعَةِ مَا عَدَا حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيَّ «خَلَقْتُكَ» بِتَاءِ الْفَاعِلِ الْمَضْمُومَةِ الَّتِي هِيَ تَاءُ الْمُتَكَلِّمِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «وَقَدْ خَلَقْنَاكَ» بَنُونٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ، وَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِيهَا لِلتَّعْظِيمِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا.

الْمُرَادُ بِالْآيَةِ هُنَا الْعَلَامَةُ، أَيِ: اجْعَلْ لِي عَلَامَةً أَعْلَمُ بِهَا وُقُوعَ مَا بُشِّرْتُ بِهِ مِنَ الْوَلَدِ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: طَلَبَ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ لِتَتِمَّ طُمَأْنِينَتُهُ بِوُقُوعِ مَا بُشِّرَ بِهِ، وَنَظِيرُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [٢ \ ٢٦٠] ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَلَّامَةِ أَنْ يَعْرِفَ ابْتِدَاءَ حَمْلِ امْرَأَتِهِ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي أَوَّلِ زَمَنِهِ يَخْفَى.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا أَيْ: عَلَامَتُكَ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ، أَيْ: أَنْ تُمْنَعَ الْكَلَامَ فَلَا تُطِيقُهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهِنَّ فِي حَالِ كَوْنِكَ سَوِيًّا، أَيْ: سَوِيَّ الْخَلْقِ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ، مَا بِكَ خَرَسٌ وَلَا بُكْمٌ وَلَكِنَّكَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى سَبِيلِ خَرْقِ الْعَادَةِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي «آلِ عِمْرَانَ» ، أَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ فَلَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي «آلِ عِمْرَانَ» : وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [٣ \ ٤١] ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى، ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا، أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَتَابِعَاتٍ غَيْرُ صَوَابٍ، بَلْ مَعْنَاهُ هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ كَوْنِ اعْتِقَالِ لِسَانِهِ عَنْ كَلَامِ قَوْمِهِ لَيْسَ لِعِلَّةٍ وَلَا مَرَضٍ حَدَثَ بِهِ، وَلَكِنْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ تَعَالَى هُنَا «ثَلَاثَ لَيَالٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا أَيَّامَهَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ الْأَيَّامَ فِي «آلِ عِمْرَانَ» ، فِي قَوْلِهِ: قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ [٣ \ ٤١] ، فَدَلَّتِ الْآيَتَانِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُ لَيَالِي بِأَيَّامِهِنَّ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ، يَعْنِي إِلَّا بِالْإِشَارَةِ أَوِ الْكِتَابَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُنَا: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [١٩ \ ١١] ، وَقَوْلُهُ فِي «آلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>