للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَوَابُ الْمُخَالِفِينَ عَنْ صِلَاتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، بِأَنَّهُ ارْتِفَاعٌ يَسِيرٌ، وَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ، وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ عَلَى الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ صَلَّى بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ «فِي التَّلْخِيصِ» : رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يُصَلِّي فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْقَعْنَبِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ، وَرَوَاهُ سَعْدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِهِ، فَقَدْ رَأَيْتَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَدِلَّتَهُمْ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وُجُوبُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنَّ عُلُوَّ الْإِمَامِ مَكْرُوهٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِصَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِجَوَازِهِ لِلتَّعْلِيمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَ رَأَوْهُ وَإِذَا نَزَلَ لَمْ يَرَهُ إِلَّا مَنْ يَلِيهِ، وَجَمْعُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ ارْتِفَاعَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ ارْتِفَاعٌ يَسِيرٌ وَهُوَ مُغْتَفَرٌ، أَمَّا عُلُوُّ الْمَأْمُومِ فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ الْقِيَاسُ مَعَ فِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ارْتِفَاعِ الْمَأْمُومِ قِيَاسًا عَلَى ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ وَهُوَ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْقِيَاسُ مَعَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَمِنَ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ يَقُولُ بِتَقْدِيمِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِتَقْدِيمِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحْوَطَ تَجَنُّبُ عُلُوِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى الْآخَرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَ «أَنْ» فِي قَوْلِهِ: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا [١٩ \ ١١] ، هِيَ الْمُفَسِّرَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا يُفَسِّرُ الْإِيحَاءَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهَا، فَهَذَا الَّذِي أَشَارَ لَهُمْ بِهِ هُوَ الْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ «أَنِ» الْمَصْدَرِيَّةَ تَأْتِي مَعَ الْأَفْعَالِ الطَّلَبِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: أَوْحَى إِلَيْهِمْ أَيْ: أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِأَنْ سَبِّحُوا، أَيْ: بِالتَّسْبِيحِ أَوْ كَتَبَ لَهُمْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكِتَابَةُ، وَكَوْنُهَا مُفَسِّرَةً هُوَ الصَّوَابُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>