للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَتِ الْعَيْنُ السَّاقِطَةُ يَاءً، كَبَاعَ وَسَارَ، فَتَقُولُ: بِعْتُ وَسِرْتُ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ مَالِكٍ فِي اللَّامِيَّةِ بِقَوْلِهِ:

وَانْقُلْ لِفَاءِ الثُّلَاثِيِّ فِي شَكْلِ عَيْنٍ ... إِذَا اعْتَلَّتْ وَكَانَ بِـ «نَا» الْإِضْمَارِ مُتَّصِلَا

أَوْ نَوِّنْهُ وَإِذَا فُتِحَا يَكُونُ مِنْهُ ... اعْتَضَّ مُجَانِسَ تِلْكَ الْعَيْنِ مُنْتَقِلَا

وَاعْلَمْ أَنَّ مَاتَ يَمَاتُ، مِنْ فَعِلَ بِالْكَسْرِ يَفْعَلُ بِالْفَتْحِ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ، وَمِنْهَا قَوْلُ الرَّاجِزِ:

بُنَيَّتِي سَيِّدَةَ الْبَنَاتِ ... عِيشِي وَلَا نَأْمَنُ أَنْ تَمَاتِ

وَأَمَّا مَاتَ يَمِيتُ فَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى اللُّغَاتِ الثَّلَاثِ - الْفَصِيحَتَيْنِ وَالرَّدِيَّةِ - بَعْضُ أُدَبَاءِ قُطْرِ شِنْقِيطَ فِي بَيْتِ رَجَزٍ هُوَ قَوْلُهُ:

مَنْ مَنَعَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ الْمَبِيتَ ... مَاتَ يَمُوتُ وَيَمَاتُ وَيَمِيتُ

وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي حَمَلَتْ فِيهَا مَرْيَمُ بِعِيسَى قَبْلَ الْوَضْعِ لَمْ نَذْكُرْهَا ; لِعَدَمِ دَلِيلٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَأَظْهَرُهَا أَنَّهُ حَمْلٌ كَعَادَةِ حَمْلِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ مَنْشَؤُهُ خَارِقًا لِلْعَادَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ فِي هَذَا الْحَرْفِ قِرَاءَتَيْنِ سَبْعِيَّتَيْنِ: قَرَأَهُ نَافِعٌ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا [١٩ \ ٢٤] ، بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّ «مِنْ» حَرْفُ جَرٍّ، وَخَفْضِ تَاءِ «تَحْتِهَا» لِأَنَّ الظَّرْفَ مَجْرُورٌ بِـ «مِنْ» وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَشُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ «فَنَادَاهَا مَنْ تَحْتَهَا» بِفَتْحِ مِيمِ «مَنْ» عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ مَوْصُولٌ هُوَ فَاعِلُ «نَادَى» أَيْ نَادَاهَا الَّذِي تَحْتَهَا، وَفَتْحِ «تَحْتَهَا» فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى فَفَاعِلُ النِّدَاءِ ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ فَالْفَاعِلُ الِاسْمُ الْمَوْصُولُ الَّذِي هُوَ «مَنْ» .

وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي هَذَا الْمُنَادِي الَّذِي نَادَاهَا الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالضَّمِيرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالِاسْمِ الْمَوْصُولِ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ عِيسَى، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ جِبْرِيلُ، وَمِمَّنْ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي نَادَى مَرْيَمَ هُوَ جِبْرِيلُ» ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَأَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ قَالُوا: لَمْ يَتَكَلَّمْ عِيسَى حَتَّى أَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>