للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ. اهـ مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ.

الْفَرْعُ الْخَامِسُ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُخْتَلِعِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا فِي الْعِدَّةِ، وَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا تَزْوِيجَهَا لِمَنْ خَالَعَهَا، كَمَا يَمْنَعُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ بِحَالٍ. كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الْآيَةَ، ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [٢ \ ٢٣٦] ، انْقِضَاءُ عِدَّتِهِنَّ بِالْفِعْلِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ إِلَّا فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ خَاصَّةً، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [٢ \ ٢٢٨] ; لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ: ذَلِكَ رَاجِعَةٌ إِلَى زَمَنِ الْعِدَّةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ الْآيَةَ [٢ \ ٢٢٨] . فَاتَّضَحَ مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ أَنَّ مَعْنَى فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ. أَيْ: قَارَبْنَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، وَأَشْرَفْنَ عَلَى بُلُوغِ أَجَلِهَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا الْآيَةَ. صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِالنَّهْيِ عَنْ إِمْسَاكِ الْمَرْأَةِ مُضَارَّةً لَهَا ; لِأَجْلِ الْاعْتِدَاءِ عَلَيْهَا بِأَخْذِهِ مَا أَعْطَاهَا ; لِأَنَّهَا إِذَا طَالَ عَلَيْهَا الْإِضْرَارُ افْتَدَتْ مِنْهُ ; ابْتِغَاءَ السَّلَامَةِ مِنْ ضَرَرِهِ. وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهَا إِذَا أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ جَازَ لَهُ عَضْلُهَا، حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [٤ \ ١٩] ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْفَاحِشَةِ الْمُبَيِّنَةِ.

فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ هِيَ: الزِّنَا، وَقَالَ قَوْمٌ هِيَ: النُّشُوزُ وَالْعِصْيَانُ وَبَذَاءُ اللِّسَانِ. وَالظَّاهِرُ شُمُولُ الْآيَةِ لِلْكُلِّ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّهُ جَيِّدٌ، فَإِذَا زَنَتْ أَوْ أَسَاءَتْ بِلِسَانِهَا، أَوْ نَشَزَتْ جَازَتْ مُضَاجَرَتُهَا ; لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ الْآيَةَ. ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ لِوَلَدِهِ مُرْضِعَةً غَيْرَ أُمِّهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، إِذَا سَلَّمَ الْأُجْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الْعَقْدِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا الْوَجْهَ الْمُوجِبَ لِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [٦٥ \ ٦] ، وَالْمُرَادُ بِتَعَاسُرِهِمْ: امْتِنَاعُ الرَّجُلِ مِنْ دَفْعِ مَا تَطْلُبُهُ الْمَرْأَةُ، وَامْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ مِنْ قَبُولِ الْإِرْضَاعِ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>