للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلِهِ فِي «عَبَسَ» : ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [٨٠ ٢٥ - ٣٢] وَقَوْلِهِ فِي «النَّحْلِ» : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [٣١ ١٠] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِأُولِي النُّهَى أَيْ لِأَصْحَابِ الْعُقُولِ. فَالنُّهَى: جَمَعُ نُهْيَةٍ بِضَمِّ النُّونِ، وَهِيَ الْعَقْلُ. لِأَنَّهُ يَنْهَى صَاحِبَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: نَهُوَ الرَّجُلُ بِصِيغَةِ فَعُلَ بِالضَّمِّ: إِذَا كَمُلَتْ نُهْيَتُهُ أَيْ عَقْلُهُ. وَأَصْلُهُ نَهُيَ بِالْيَاءِ فَأُبْدِلَتِ الْيَاءُ وَاوًا لِأَنَّهَا لَامُ فِعْلٍ بَعْدَ ضَمٍّ. كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَوَاوًا إِثْرَ الضَّمِّ رُدَّ الْيَا مَتَى ... أُلْفِيَ لَامُ فِعْلٍ أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا

قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى.

الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ «مِنْهَا» مَعًا، وَقَوْلِهِ فِيهَا رَاجِعٌ إِلَى «الْأَرْضَ» الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا.

وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: أَنَّهُ خَلَقَ بَنِي آدَمَ مِنَ الْأَرْضِ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُعِيدُهُمْ فِيهَا.

الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا مَرَّةً أُخْرَى. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

أَمَّا خَلْقُهُ إِيَّاهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ. كَقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ الْآيَةَ [٢٢ ٥] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ الْآيَةَ [٣٠ ٢٠] ، وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ «الْمُؤْمِنِ» : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ [٤٠ ٦٧] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِ النَّاسَ مِنْ تُرَابٍ أَنَّهُ خَلَقَ أَبَاهُمْ آدَمَ مِنْهَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ الْآيَةَ [٣ ٥٩] . وَلَمَّا خَلَقَ أَبَاهُمْ مِنْ تُرَابٍ وَكَانُوا تَبَعًا لَهُ فِي الْخَلْقِ صَدَقَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ تُرَابٍ. وَمَا يَزْعُمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>