للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ) فِي سُورَةِ «الْبَلَدِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [٩٠ ١] مَعَ قَوْلِهِ: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [٩٥ ٣] وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا: فَاجْعَلْ لَهُمْ طَرِيقًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: ضَرَبَ لَهُ فِي مَالِهِ سَهْمًا، وَضَرَبَ اللَّبِنَ عَمِلَهُ اهـ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ يَبَسًا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ جَاءَتْ عَلَى فَعَلٍ بِفَتْحَتَيْنِ كَبَطَلٍ وَحَسَنٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْيُبْسُ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ. يُقَالُ: يَبِسَ يَبَسًا وَيُبْسًا، وَنَحْوُهُمَا الْعَدَمُ، وَالْعُدْمُ، وَمِنْ ثَمَّ وُصِفَ بِهِ الْمُؤَنَّثُ فَقِيلَ: شَاتُنَا يُبْسٌ، وَنَاقَتُنَا يُبْسٌ. إِذَا جَفَّ لَبَنُهَا.

وَقَوْلُهُ: لَا تَخَافُ دَرَكًا الدَّرَكُ: اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ، أَيْ: لَا يُدْرِكُ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، وَلَا يَلْحَقُونَكَ مِنْ وَرَائِكَ، وَلَا تَخْشَى مِنَ الْبَحْرِ أَمَامَكَ. وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ لَا تَخَافُ فَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فَاضْرِبْ أَيْ: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي حَالِ كَوْنِكَ غَيْرَ خَائِفٍ دَرَكًا، وَلَا خَاشٍ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ الْمَنْفِيَّ بِلَا إِذَا كَانَتْ جُمْلَتُهُ حَالِيَّةً وَجَبَ الرَّبْطُ فِيهَا بِالضَّمِيرِ وَامْتَنَعَ بِالْوَاوِ. كَقَوْلِهِ هُنَا: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا أَيْ: فِي حَالِ كَوْنِكَ لَا تَخَافُ دَرَكًا، وَقَوْلِهِ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ [٢٧ ٢٠] وَقَوْلِهِ: وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ [٥ ٨٤] وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا لِارْتِفَاعِ قَبِيلَةٍ ... دَخَلُوا السَّمَاءَ دَخَلْتُهَا لَا أُحْجَبُ

يَعْنِي دَخَلْتُهَا فِي حَالِ كَوْنِي غَيْرَ مَحْجُوبٍ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ ثَبَتْ ... حَوَتْ ضَمِيرًا وَمِنَ الْوَاوِ خَلَتْ

فِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ.

التَّحْقِيقُ أَنَّ أَتْبَعَ وَاتَّبَعَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. فَقَوْلُهُ: فَـ أَتْبَعَهُمْ أَيِ: اتَّبَعَهُمْ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [٣٧ \ ١٠] وَقَوْلُهُ: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ الْآيَةَ [٧ \ ١٧٥] . وَالْمَعْنَى: أَنَّ مُوسَى لَمَّا أَسْرَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْلًا أَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ [٢٠ \ ٧٨] أَيِ: الْبَحْرِ مَا غَشِيَهُمْ أَيْ: أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ فِي الْبَحْرِ فَهَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ. وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنَّ فِرْعَوْنَ أَتْبَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ وَجُنُودُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ أَغْرَقَهُمْ فِي الْبَحْرِ أُوَضِّحُهُ فِي غَيْرِ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>