للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْقُرْآنِ: أَنَّ اللَّهَ إِذَا قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَسْأَلُونَكَ قَالَ لَهُ قُلْ بِغَيْرِ فَاءٍ. كَقَوْلِهِ: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ الْآيَةَ [١٧ \ ٨٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ الْآيَةَ [٢ \ ٢١٩] وَقَوْلِهِ: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ الْآيَةَ [٢ \ ٢١٥] وَقَوْلِهِ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ الْآيَةَ [٥ \ ٤] وَقَوْلِهِ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [٢ \ ٢١٧] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، أَمَّا فِي آيَةِ «طه» هَذِهِ فَقَالَ فِيهَا: فَقُلْ يَنْسِفُهَا [٢٠ \ ١٠٥] بِالْفَاءِ. وَقَدْ أَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ هَذَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا نَصُّهُ: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ أَيْ: عَنْ حَالِ الْجِبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقُلْ. جَاءَ هَذَا بِفَاءٍ، وَكُلُّ سُؤَالٍ فِي الْقُرْآنِ «قُلْ» بِغَيْرِ فَاءٍ إِلَّا هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: إِنْ سَأَلُوكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ، فَتَضَمَّنَ الْكَلَامُ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَهُ عَنْهَا فَأَجَابَهُمْ قَبْلَ السُّؤَالِ. وَتِلْكَ أَسْئِلَةٌ تَقَدَّمَتْ، سَأَلُوا عَنْهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ الْجَوَابُ عَقِبَ السُّؤَالِ. فَلِذَلِكَ كَانَ بِغَيْرِ فَاءٍ. وَهَذَا سُؤَالٌ لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ بَعْدُ فَتَفَهَّمْهُ انْتَهَى مِنْهُ. وَمَا ذَكَرَهُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا.

الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَيَذَرُهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ. وَنَظِيرُ هَذَا الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [٣٥ \ ٤٥] ، وَقَوْلُهُ: مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ [١٦ \ ١٦] ، فَالضَّمِيرُ فِيهِمَا رَاجِعٌ إِلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا شَوَاهِدَ ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْقُرْآنِ بِإِيضَاحٍ فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى مَنَابِتِ الْجِبَالِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِزُهَا وَمَقَارُّهَا لِأَنَّهَا مَفْهُومَةٌ مِنْ ذِكْرِ الْجِبَالِ. وَالْمَعْنَى: فَيَذَرُ مَوَاضِعَهَا الَّتِي كَانَتْ مُسْتَقِرَّةً فِيهَا مِنَ الْأَرْضِ قَاعًا صَفْصَفًا. وَالْقَاعُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ. وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي الْأَمْلَسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>