للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِكَ، وَتَوَلَّى دِينَهُ بِالنَّصْرِ وَالْحِيَاطَةِ، فَهَكَذَا نَحْفَظُ دِينَكَ وَشَرْعَكَ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَمَّا نَعَى جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ قَالَ: «فَمَنْ لِأُمَّتِي» ؟ فَنَزَلَتْ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [٢١ \ ٣٤] وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِبَشَرٍ قَبْلَ نَبِيِّهِ الْخُلْدَ أَيْ: دَوَامَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا، بَلْ كُلُّهُمْ يَمُوتُ.

وَقَوْلُهُ: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ مَعْنَاهُ النَّفْيُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ إِنْ مِتَّ فَهُمْ لَنْ يَخْلُدُوا بِعْدَكَ، بَلْ سَيَمُوتُونَ، وَلِذَلِكَ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [٣ \ ١٨٥] وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيَمُوتُ، وَأَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ، وَأَنَّ الْمَوْتَ سَتَذُوقُهُ كُلُّ نَفْسٍ أَوْضَحَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [٣٩ \ ٣] وَكَقَوْلِهِ: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [٥٢ \ ٢٦ - ٢٧] وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ «آلِ عِمْرَانَ» : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [٣ \ ١٨٥] وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ «الْعَنْكَبُوتِ» : يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [٢٩ \ ٥٦ - ٥٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «النِّسَاءِ» : أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [٤ \ ٧٨] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» اسْتِدْلَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى مَوْتِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: فَهُمُ الْخَالِدُونَ هُوَ اسْتِفْهَامٌ حُذِفَتْ أَدَاتُهُ. أَيْ: أَفَهُمُ الْخَالِدُونَ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ حَذْفَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ إِذَا دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهَا جَائِزٌ، وَهُوَ قِيَاسِيٌّ عِنْدَ الْأَخْفَشِ مَعَ «أَمْ» ، وَدُونَهَا ذِكْرُ الْجَوَابِ أَمْ لَا، فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ دُونَ «أَمْ» وَدُونَ ذِكْرِ الْجَوَابِ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:

طَرِبْتُ وَمَا شَوْقًا إِلَى الْبِيضِ أَطْرَبُ ... وَلَا لَعِبًا مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ

يَعْنِي: أَوْ ذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ. وَقَوْلُ أَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ وَاسْمُهُ خُوَيْلِدٌ:

رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ ... فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ

يَعْنِي: أَهُمْ هُمْ عَلَى التَّحْقِيقِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ دُونَ «أَمْ» مَعَ ذِكْرِ الْجَوَابِ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ:

ثُمَّ قَالُوا تُحِبُّهَا قُلْتُ بَهْرَا ... عَدَدَ النَّجْمِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>