للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعْنِي: أَتَحُبُّهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَهُوَ مَعَ «أَمْ» كَثِيرٌ جِدًّا، وَأَنْشَدَ لَهُ سِيبَوَيْهِ قَوْلَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ التَّمِيمِيِّ:

لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِيًا ... شُعَيْثُ بْنُ سَهْمٍ أَمْ شُعَيْثُ بْنُ مِنْقَرِ

يَعْنِي: أَشُعَيْثُ بْنُ سَهْمٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ:

بَدَا لِي مِنْهَا مِعْصَمٌ يَوْمَ جَمَّرَتْ ... وَكَفٌّ خَضِيبٌ زُيِّنَتْ بِبَنَانِ

فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَحَاسِبٌ ... بِسَبْعٍ رَمَيْتُ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ

يَعْنِي: أَبِسَبْعٍ. وَقَوْلُ الْأَخْطَلِ:

كِذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ ... غَلَسَ الظَّلَامِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالًا

يَعْنِي: أَكْذَبَتْكَ عَيْنُكَ. كَمَا نَصَّ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْأَخْطَلِ هَذَا، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْخَلِيلَ قَائِلًا: إِنَّ «كَذَبَتْكَ» صِيغَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا اسْتِفْهَامٌ مَحْذُوفٌ، وَإِنَّ «أَمْ» بِمَعْنَى بَلْ. فَفِي الْبَيْتِ عَلَى قَوْلِ الْخَلِيلِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ الْمَعْنَوِيِّ يُسَمَّى «الرُّجُوعَ» . وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَكْثَرْنَا مِنْ شَوَاهِدِهَا الْعَرَبِيَّةِ فِي كِتَابِنَا (دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ) فِي سُورَةِ «آلِ عِمْرَانَ» وَذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي آيَةِ «الْأَنْبِيَاءِ» هَذِهِ فَهُمُ الْخَالِدُونَ مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَفَإِنْ مِتَّ قَرَأَهُ نَافِعٌ وَحَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ «مِتَّ» بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» وَجْهَ كَسْرِ الْمِيمِ. وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْرَحَ بِمَوْتِ أَحَدٍ لِأَجْلِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ يَنَالُهُ بِسَبَبِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ لَيْسَ مُخَلَّدًا بَعْدَهُ.

وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَنْشَدَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ مُسْتَشْهِدًا بِهِمَا:

تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ

فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلَافَ الَّذِي ... مَضَى تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدِ

وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ الْآخَرِ:

فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا ... سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>