للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي مَعْنَى إِتْيَانِ اللَّهِ الْأَرْضَ يَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَقْوَالٌ مَعْرُوفَةٌ لِلْعُلَمَاءِ، وَبَعْضُهَا تَدُلُّ لَهُ قَرِينَةٌ قُرْآنِيَّةٌ:

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: نَقْصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا: مَوْتُ الْعُلَمَاءِ، وَجَاءَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبُعْدُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ دَلَالَةِ السِّيَاقِ ظَاهِرٌ كَمَا تَرَى.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: نَقْصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا خَرَابُهَا عِنْدَ مَوْتِ أَهْلِهَا.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: نَقْصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا هُوَ نَقْصُ الْأَنْفُسِ، وَالثَّمَرَاتِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ الْقُرْآنِيَّةُ فَهُوَ أَنَّ مَعْنَى نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَيْ: نَنْقُصُ أَرْضَ الْكُفْرِ وَدَارَ الْحَرْبِ، وَنَحْذِفُ أَطْرَافَهَا بِتَسْلِيطِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا وَإِظْهَارِهِمْ عَلَى أَهْلِهَا، وَرَدِّهَا دَارَ إِسْلَامٍ. وَالْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى هِيَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [٢١ \ ٤٤] وَالِاسْتِفْهَامُ لِإِنْكَارِ غَلَبَتِهِمْ. وَقِيلَ: لِتَقْرِيرِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ لَا غَالِبُونَ، فَقَوْلُهُ: أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْصَ الْأَرْضِ مِنْ أَطْرَافِهَا سَبَبٌ لِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْكُفَّارِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ. وَمِمَّا يَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ [١٣ \ ٣١] عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَارِعَةِ الَّتِي تُصِيبُهُمْ سَرَايَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْتَحُ أَطْرَافَ بِلَادِهِمْ، أَوْ تَحُلُّ أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ. وَمِمَّنْ يُرْوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمْ. وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ هُنَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ «الرَّعْدِ» أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [١٣ \ ٤١] وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ «الْأَنْبِيَاءِ» هَذِهِ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا فُسِّرَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [٤٦ \ ٢٧] .

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ صَوَابٌ، وَاسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: أَفَلَا يَرَى كُفَّارُ مَكَّةَ وَمَنْ سَارَ سَيْرَهُمْ فِي تَكْذِيبِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْكَفْرِ بِمَا جِئْتَ بِهِ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَيْ: بِإِهْلَاكِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ كَمَا أَهْلَكْنَا قَوْمَ صَالِحٍ وَقَوْمَ لُوطٍ، وَهُمْ يَمُرُّونَ بِدِيَارِهِمْ. وَكَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>