للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ وَزْنِ الْأَعْمَالِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الْقِسْطَ أَيِ الْعَدْلَ، وَهُوَ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، وَلِذَا لَزِمَ إِفْرَادُهُ، كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيرَا ... فَالْتَزَمُوا الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا

كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّعْتَ بِالْمَصْدَرِ يَقُولُ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ الْمُبَالَغَةُ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ بِنِيَّةِ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ بَالَغَ فِي عَدَالَةِ الْمَوَازِينِ حَتَّى سَمَّاهَا الْقِسْطَ الَّذِي هُوَ الْعَدْلُ. وَعَلَى الثَّانِي فَالْمَعْنَى: الْمَوَازِينُ ذَوَاتُ الْقِسْطِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فِيهَا أَوْجُهٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ:

(مِنْهَا) : أَنَّهَا لِلتَّوْقِيتِ، أَيِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْتِ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: جِئْتُ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنَ الشَّهْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ:

تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا ... لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامُ سَابِعُ

وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَامُ «كَيْ» ، أَيْ: نَضَعُ الْمُوَازِينَ الْقِسْطَ لِأَجْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ: لِحِسَابِ النَّاسِ فِيهِ حِسَابًا فِي غَايَةِ الْعَدَالَةِ، وَالْإِنْصَافِ.

(وَمِنْهَا) : أَنَّهَا بِمَعْنَى فِي، أَيْ: نَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَالْكُوفِيُّونَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّامَ تَأْتِي بِمَعْنَى فِي، وَيَقُولُونَ: إِنَّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [٢١ \ ٤٧] أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى: لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [٧ \ ١٨٧] أَيْ: فِي وَقْتِهَا. وَوَافَقَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَابْنُ مَالِكٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنْشَدَ مُسْتَشْهِدًا لِذَلِكَ قَوْلَ مِسْكِينٍ الدَّارِمِيِّ:

أُولَئِكَ قَوْمِي قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... كَمَا قَدْ مَضَى مِنْ قَبْلُ عَادٌ وَتُبَّعُ

يَعْنِي مَضَوْا فِي سَبِيلِهِمْ. وَقَوْلَ الْآخَرِ:

وَكُلُّ أَبٍ وَابْنٍ وَإِنْ عُمِّرَا مَعًا ... مُقِيمَيْنِ مَفْقُودٌ لِوَقْتٍ وَفَاقِدُ

أَيْ فِي وَقْتٍ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِـ تُظْلَمُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا نَابَ عَنِ الْمُطْلَقِ. أَيْ: شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ لَا قَلِيلًا، وَلَا كَثِيرًا.

وَمِثْقَالُ الشَّيْءِ: وَزْنُهُ. وَالْخَرْدَلُ: حَبٌّ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>