للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَقُلْ إِنْجَاصٌ، أَوْ لُغَيَّةٌ. اهـ. وَالْإِجَّانَةُ وَاحِدَةُ الْأَجَاجِينِ. قَالَ فِي التَّصْرِيحِ: وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْفَصِيحِ: قَصْرِيَّةٌ يُعْجَنُ فِيهَا وَيُغْسَلُ فِيهَا. وَيُقَالُ: إِنْجَانَةٌ كَمَا يُقَالُ إِنْجَاصَةٌ، وَهِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَةٌ فِيهِمَا أَنْكَرَهَا الْأَكْثَرُونَ. اهـ. فَهَذَانِ وَجْهَانِ فِي تَوْجِيهِ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ وَشُعْبَةَ، وَعَلَيْهِمَا فَلَفْظَةُ «الْمُؤْمِنِينَ» مَفْعُولٌ بِهِ لِـ «نُنَجِّي» .

وَمِنْ أَجْوِبَةِ الْعُلَمَاءِ عَنْ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ وَشُعْبَةَ: أَنَّ «نُجِّيَ» عَلَى قِرَاءَتِهِمَا فِعْلُ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَالنَّائِبُ عَنِ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ الْمَصْدَرِ، أَيْ: نَجَّى هُوَ، أَيِ الْإِنْجَاءُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْآيَةُ كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ لِيُجْزَى قَوْمًا الْآيَةَ [٤٥ \ ١٤] بِبِنَاءِ «يُجْزَى» لِلْمَفْعُولِ، وَالنَّائِبُ ضَمِيرُ الْمَصْدَرِ، أَيْ: لِيَجْزِيَ هُوَ، أَيِ الْجَزَاءَ وَنِيَابَةُ الْمَصْدَرِ عَنِ الْفَاعِلِ فِي حَالِ كَوْنِ الْفِعْلِ مُتَعَدِّيًا لِلْمَفْعُولِ تَرِدُ بِقِلَّةٍ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَقَابِلْ مِنْ ظُرُوفٍ أَوْ مِنْ مَصْدَرِ ... أَوْ حَرْفِ جَرٍّ بِنِيَابَةٍ حَرِي

وَلَا يَنُوبُ بَعْضُ هَذَا إِنْ وُجِدْ ... فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ وَقَدْ يَرِدْ

وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ: «وَقَدْ يَرِدُ» وَمِمَّنْ قَالَ بِجَوَازِ ذَلِكَ الْأَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ جَرِيرٍ يَهْجُو أُمَّ الْفَرَزْدَقِ:

وَلَوْ وَلَدَتْ قُفَيْرَةُ جَرْوَ كَلْبٍ ... لَسُبَّ بِذَلِكَ الْجَرْوِ الْكِلَابَا

٦٩ يَعْنِي لَسُبَّ هُوَ، أَيْ: السَّبُّ. وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:

لَمْ يَعْنِ بِالْعَلْيَاءِ إِلَّا سَيِّدًا ... وَلَا شَفَى ذَا الْغَيِّ إِلَّا ذُو هُدَى

وَأَمَّا إِسْكَانُ يَاءِ «نُجِّي» عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْعَرَبِ: رَضِي، وَبَقِي بِإِسْكَانِ الْيَاءِ تَخْفِيفًا. وَمِنْهُ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [٢ \ ٢٧٨] بِإِسْكَانِ يَاءِ «بَقِيَ» وَمِنْ شَوَاهِدِ تِلْكَ اللُّغَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

خَمَّرَ الشَّيْبُ لُمَّتِي تَخْمِيرًا ... وَحَدَا بِي إِلَى الْقُبُورِ الْبَعِيرَا

لَيْتَ شِعْرِي إِذِ الْقِيَامَةُ قَامَتْ ... وَدُعِي بِالْحِسَابِ أَيْنَ الْمَصِيرَا

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ فَالظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ حَذَفُوا النُّونَ فِي الْمَصَاحِفِ؛ لِتُمْكِنَ مُوَافَقَةُ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ وَشُعْبَةَ لِلْمَصَاحِفِ لِخَفَائِهَا، أَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ حَذَفُوا حَرْفًا مِنَ الْكَلِمَةِ لِمَصْلَحَةٍ مَعَ تَوَاتُرِ الرِّوَايَةِ لَفْظًا بِذِكْرِ الْحَرْفِ الْمَحْذُوفِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>