للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَنْبِيهٌ

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْضَهَا يَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِذَا كَانَتِ الزَّلْزَلَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ الْقُبُورِ، فَمَا مَعْنَاهَا؟

وَالْجَوَابُ: أَنَّ مَعْنَاهَا: شِدَّةُ الْخَوْفِ وَالْهَوْلِ وَالْفَزَعِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى زِلْزَالًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا وَقَعَ بِالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ مِنَ الْخَوْفِ: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [٣٣ \ ١٠ - ١١] ؛ أَيْ: وَهُوَ زِلْزَالُ فَزَعٍ وَخَوْفٍ، لَا زِلْزَالُ حَرَكَةِ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِظَمَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُوجِبٌ وَاضِحٌ لِلِاسْتِعْدَادِ لِذَلِكَ الْهَوْلِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي دَارِ الدُّنْيَا قَبْلَ تَعَذُّرِ الْإِمْكَانِ ; لِمَا قَدَّمْنَا مِرَارًا مِنْ أَنَّ إِنَّ الْمُشَدَّدَةَ الْمَكْسُورَةَ تَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فِي مَسْلَكِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ، وَمَسْلَكِ النَّصِّ الظَّاهِرِ؛ أَيْ: اتَّقُوا اللَّهَ ; لِأَنَّ أَمَامَكُمْ أَهْوَالًا عَظِيمَةً، لَا نَجَاةَ مِنْهَا إِلَّا بِتَقْوَاهُ جَلَّ وَعَلَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مِنَ النَّاسِ بَعْضًا يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ أَيْ: يُخَاصِمُ فِي اللَّهِ بِأَنْ يَنْسِبَ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَكَمَالِهِ، كَالَّذِي يَدَّعِي لَهُ الْأَوْلَادَ وَالشُّرَكَاءَ، وَيَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَيَقُولُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْيِيَ اللَّهُ الْعِظَامَ الرَّمِيمَ، كَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ الَّذِينَ جَادَلُوا فِي اللَّهِ ذَلِكَ الْجِدَالَ الْبَاطِلَ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ، مِنْ عِلْمٍ عَقْلِيٍّ، وَلَا نَقْلِيٍّ، وَمَعَ جِدَالِهِمْ فِي اللَّهِ ذَلِكَ الْجِدَالَ الْبَاطِلَ يَتَّبِعُونَ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ؛ أَيْ: عَاتٍ طَاغٍ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كُتِبَ عَلَيْهِ [٢٢ \ ٣] ؛ أَيْ: كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ كِتَابَةَ قَدَرٍ وَقَضَاءٍ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ [٢٢ \ ٣] ؛ أَيْ: كُلُّ مَنْ صَارَ وَلِيًّا لَهُ؛ أَيْ: لِلشَّيْطَانِ الْمَرِيدِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ عَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ، وَعَنْ طَرِيقِ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ، وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ؛ أَيْ: النَّارِ الشَّدِيدَةِ الْوَقُودِ.

وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْجُهَّالِ كَالْكُفَّارِ يُجَادِلُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>