للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .

لَمْ يَذْكُرْ لِحَمْدِهِ هُنَا ظَرْفًا مَكَانِيًّا وَلَا زَمَانِيًّا، وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الرُّومِ أَنَّ مِنْ ظُرُوفِهِ الْمَكَانِيَّةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي قَوْلِهِ: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ أَنَّ مِنْ ظُرُوفِهِ الزَّمَانِيَّةِ: الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ فِي قَوْلِهِ: (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ) ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ سَبَأٍ: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي (الْحَمْدُ) لِاسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ الْمَحَامِدِ. وَهُوَ ثَنَاءٌ أَثْنَى بِهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ وَفِي ضِمْنِهِ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ بِهِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا الْعَالَمُونَ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) [٢٦ \ ٢٣، ٢٤] .

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: اشْتِقَاقُ الْعَالَمِ مِنَ الْعَلَامَةِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْعَالَمِ عَلَامَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [٣ \ ١٩٠] ، وَالْآيَةُ فِي اللُّغَةِ: الْعَلَامَةُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

همَا وَصْفَانِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَالرَّحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحِيمِ ; لِأَنَّ الرَّحْمَنَ هُوَ ذُو الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا، وَلِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، وَالرَّحِيمُ ذُو الرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا. وَفِي تَفْسِيرِ بَعْضِ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَيَدُلُّ لَهُ الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِيسَى كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ، إِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الرَّحْمَنُ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالرَّحِيمُ رَحِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>