للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ [٢٢ \ ٣٦] وَقَوْلِهِ فِي آيَةِ «يس» : هَذِهِ: أَفَلَا يَشْكُرُونَ كَقَوْلِهِ فِي آيَةِ «الْحَجِّ» : لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى قَرِيبًا: كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ الْآيَةَ [٢٢ \ ٣٧] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى شُكْرِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَشُكْرِ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ، مِرَارًا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا وَالتَّسْخِيرُ: التَّذْلِيلُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ يَدْفَعُ السُّوءَ عَنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ إِيمَانًا حَقًّا، وَيَكْفِيهِمْ شَرَّ أَهْلِ السُّوءِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ الْآيَةَ [٦٥ \ ٣] ، وَقَوْلِهِ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [٣٩ \ ٣٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [٩ \ ١٤ - ١٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ [٤٠ \ ٥١] ، وَقَوْلِهِ: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [٣٠ \ ٤٧] وَقَوْلِهِ: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [٣٧ \ ١٧٣] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُمَا دَالٌ سَاكِنَةٌ مُضَارِعُ دَفَعَ الْمُجَرَّدِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا الشَّرَّ وَالسُّوءَ، ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ هُوَ أَعْظَمُ أَسْبَابِ دَفْعِ الْمَكَارِهِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: يُدَافِعُ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَفَتْحِ الدَّالِ بَعْدَهَا أَلِفٌ، وَكَسْرِ الْفَاءِ مُضَارِعُ دَافَعَ الْمَزِيدِ فِيهِ أَلِفٌ بَيْنَ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ، وَفِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ هَذِهِ إِشْكَالٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَقْتَضِي بِحَسَبِ الْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ اشْتِرَاكَ فَاعِلَيْنِ فِي الْمَصْدَرِ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَدْفَعُ كُلَّ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُدَافِعٌ يَدْفَعُ شَيْئًا.

وَالْجَوَابُ: هُوَ مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ قَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى الْمُجَرَّدِ، نَحْوَ: جَاوَزْتُ الْمَكَانَ بِمَعْنَى جُزْتُهُ، وَعَاقَبْتُ اللِّصَّ، وَسَافَرْتُ، وَعَافَاكَ اللَّهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّ فَاعَلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُجَرَّدِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: يُدَافِعُ بِمَعْنَى: يَدْفَعُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ يُدَافِعُ فَمَعْنَاهُ: يُبَالِغُ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ كَمَا يُبَالِغُ مَنْ يُغَالِبُ فِيهِ ; لِأَنَّ فِعْلَ الْمُغَالِبِ يَجِيءُ أَقْوَى وَأَبْلَغَ اهـ مِنْهُ، وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>