للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [٢٣ \ ٢] فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ» اهـ مِنْهُ.

وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَلَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ، وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ الْجُمْهُورَ، فَقَالُوا: إِنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْظُرُ أَمَامَهُ لَا إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [٢ \ ١٤٤] قَالُوا: فَلَوْ نَظَرَ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَاحْتَاجَ أَنْ يَتَكَلَّفَ ذَلِكَ بِنَوْعٍ مِنَ الِانْحِنَاءِ، وَذَلِكَ يُنَافِي كَمَالَ الْقِيَامِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ الْمُنْحَنِيَ بِوَجْهِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، لَيْسَ بِمُوَلٍّ وَجْهَهُ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى أَفْلَحَ: نَالَ الْفَلَاحَ، وَالْفَلَاحُ يُطْلَقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

الْأَوَّلُ: الْفَوْزُ بِالْمَطْلُوبِ الْأَكْبَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:

فَاعْقِلِي إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي ... وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقِلَ

أَيْ فَازَ مَنْ رُزِقَ الْعَقْلَ بِالْمَطْلُوبِ الْأَكْبَرِ.

وَالثَّانِي: هُوَ إِطْلَاقُ الْفَلَاحِ عَلَى الْبَقَاءِ السَّرْمَدِيِّ فِي النَّعِيمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ أَيْضًا فِي رَجَزٍ لَهُ:

لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الْفَلَاحِ ... لَنَالَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ

يَعْنِي: مُدْرِكَ الْبَقَاءِ، وَمِنْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، أَوِ الْأَضْبَطِ بْنِ قُرَيْعٍ:

لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ ... وَالْمِسَى وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ.

أَيْ لَا بَقَاءَ مَعَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنَّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ نَالَ الْفَلَاحَ بِمَعْنَيَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَالْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا لِلْفَلَاحِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَسَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي لَفْظَةِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُفْلِحِينَ إِعْرَاضَهُمْ عَنِ اللَّغْوِ، وَأَصْلُ اللَّغْوِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ اللَّعِبُ وَاللَّهْوُ وَالْهَزْلُ، وَمَا تُوجِبُ الْمُرُوءَةُ تَرْكَهُ.

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [٢٣ \ ٣] أَيْ: عَنِ الْبَاطِلِ، وَهُوَ يَشْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>