للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«عَلَى أَزْوَاجِهِمْ» فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: إِلَّا وَالِينَ، عَلَى أَزْوَاجِهِمْ، أَوْ قَوَّامِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ قَوْلِكَ: كَانَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانَةَ، فَمَاتَ عَنْهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا فُلَانٌ، وَنَظِيرُهُ: كَانَ زِيَادٌ عَلَى الْبَصْرَةِ أَيْ: وَالِيًا عَلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانَةٌ تَحْتَ فُلَانٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ فِي كَافَّةِ الْأَحْوَالِ، إِلَّا فِي تَزَوُّجِهِمْ أَوْ تَسَرِّيهِمْ، أَوْ تَعَلُّقِ عَلَى بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ غَيْرُ مَلُومِينَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: يُلَامُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَيْ: يُلَامُونَ عَلَى كُلِّ مُبَاشَرَةٍ إِلَّا عَلَى مَا أُطْلِقَ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ عَلَيْهِ، أَوْ تَجْعَلُهُ صِلَةً لِحَافِظِينَ مِنْ قَوْلِكَ: احْفَظْ عَلَيَّ عِنَانَ فَرَسِي عَلَى تَضْمِينِهِ، مَعْنَى النَّفْيِ كَمَا ضُمِّنَ قَوْلُهُمْ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ إِلَّا فَعَلْتَ، بِمَعْنَى: مَا طَلَبْتُ مِنْكَ إِلَّا فِعْلَكَ. اهـ مِنْهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الظُّهُورِ.

قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي تَكَلَّفَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ ظَاهِرٌ فِيهَا الْعُجْمَةُ، وَهِيَ مُتَكَلَّفَةٌ، ثُمَّ اسْتَظْهَرَ أَبُو حَيَّانَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِنْ بَابِ التَّضْمِينِ، ضَمَّنَ حَافِظُونَ مَعْنَى: مُمْسِكُونَ أَوْ قَاصِرُونَ، وَكِلَاهُمَا يَتَعَدَّى بِعَلَى كَقَوْلِهِ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [٣٣ \ ٣٧] وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ مَعَ أَنَّ الْمَمْلُوكَاتِ مِنْ جُمْلَةِ الْعُقَلَاءِ، وَالْعُقَلَاءُ يُعَبَّرُ عَنْهُمْ بِمَنْ لَا بِمَا هُوَ أَنَّ الْإِمَاءَ لَمَّا كُنَّ يَتَّصِفْنَ بِبَعْضِ صِفَاتِ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ كَبَيْعِهِنَّ وَشِرَائِهِنَّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ مُسَوِّغًا لِإِطْلَاقِ لَفْظَةِ مَا عَلَيْهِنَّ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ، هُوَ مَفْعُولُ ابْتَغَى أَيْ: ابْتَغَى سِوَى ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَفْعُولَ بِهِ مَحْذُوفٌ، وَوَرَاءَ ظَرْفٌ، أَيْ: فَمَنِ ابْتَغَى مُسْتَمْتِعًا لِفَرْجِهِ، وَرَاءَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُفْلِحِينَ الْوَارِثِينَ الْفِرْدَوْسَ: أَنَّهُمْ رَاعُونَ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ، أَيْ: مُحَافِظُونَ عَلَى الْأَمَانَاتِ، وَالْعُهُودِ، وَالْأَمَانَةُ تَشْمَلُ: كُلَّ مَا اسْتَوْدَعَكَ اللَّهُ، وَأَمَرَكَ بِحِفْظِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهَا حِفْظُ جَوَارِحِكَ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ، وَحِفْظُ مَا ائْتُمِنْتَ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، وَالْعُهُودُ أَيْضًا تَشْمَلُ: كُلَّ مَا أُخِذَ عَلَيْكَ الْعَهْدُ بِحِفْظِهِ، مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَحُقُوقِ النَّاسِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ حِفْظِ الْأَمَانَاتِ وَالْعُهُودِ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ;

<<  <  ج: ص:  >  >>