للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا الْآيَةَ ; لِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَشْمَلُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ وَغَيْرَهُ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَ أَدِلَّةِ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «فَتْحِ الْبَارِي» : وَجَمَعَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ بِتَنْزِيلِ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ إِنْ طَالَ الْعَهْدُ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالْمَجِيءِ احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْنَافِ الِاسْتِئْذَانِ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَطُلْ لَكِنْ كَانَ الْمُسْتَدْعِي فِي مَكَانٍ يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْإِذْنِ فِي الْعَادَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اسْتِئْنَافِ إِذْنٍ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَعَلَّ الْأَوَّلَ فِيمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَسْتَأْذِنُ لِأَجْلِهِ، وَالثَّانِي بِخِلَافِهِ. قَالَ: وَالِاسْتِئْذَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَحْوَطُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ حَضَرَ صُحْبَةَ الرَّسُولِ أَغْنَاهُ اسْتِئْذَانُ الرَّسُولِ، وَيَكْفِيهِ سَلَامُ الْمُلَاقَاةِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنِ الرَّسُولِ احْتَاجَ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ، وَبِهَذَا جَمَعَ الطَّحَاوِيُّ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «: فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ، وَإِلَّا لَقَالَ: فَأَقْبَلْنَا، كَذَا قَالَ، اهـ كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ. وَأَقْرَبُهَا عِنْدِي الْجَمْعُ الْأَخِيرُ، وَيَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْمُتَقَدِّمِ: فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ أَمَرَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَضِّ الْبَصَرِ، وَحِفْظِ الْفَرْجِ، وَيَدْخُلُ فِي حِفْظِ الْفَرْجِ: حِفْظُهُ مِنَ الزِّنَى، وَاللِّوَاطِ، وَالْمُسَاحَقَةِ، وَحِفْظُهُ مِنَ الْإِبْدَاءِ لِلنَّاسِ وَالِانْكِشَافِ لَهُمْ، وَقَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ أُخَرُ عَلَى أَنَّ حِفْظَهُ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَلْزَمُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الزَّوْجَةَ وَالسُّرِّيَّةَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْمُؤْمِنُونَ» وَ «سَأَلَ سَائِلٌ» ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [٢٣ \ ٥ - ٦] وَ [٧٠ \ ٢٩ - ٣٠] .

فَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ حِفْظَ الْفَرْجِ مِنَ الزِّنَى، وَاللِّوَاطِ لَازِمٌ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ حِفْظُهُ عَنِ الزَّوْجَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِالْمِلْكِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» أَنَّ الرَّجُلَ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ فَرْجِهِ عَنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي الدُّبُرِ، وَذَكَرْنَا لِذَلِكَ أَدِلَّةً كَثِيرَةً، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْكَلَامَ عَلَى آيَةِ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ [٢٣ \ ٥] ، فِي سُورَةِ «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» ، وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى مَنِ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، إِذَا عَمِلَ مَعَهَا الْخِصَالَ الْمَذْكُورَةَ مَعَهَا فِي سُورَةِ «الْأَحْزَابِ» ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>