للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: وَتَحْسَبُ حُبَّهُمْ عَارًا عَلَيَّ، وَمِثَالُ حَذْفِ أَحَدِ الْمَفْعُولَيْنِ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:

وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ

مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحِبِّ الْمُكْرِمِ

أَيْ: لَا تَظُنِّي غَيْرَهُ وَاقِعًا.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ فَاعِلَ يَحْسَبَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أَيْ: لَا يَحْسَبَنَّ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ، وَعَلَى هَذَا فَـ: الَّذِينَ كَفَرُوا مَفْعُولٌ أَوَّلُ، وَمُعَجِزِينَ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَعَزَا هَذَا الْقَوْلَ لِلْفَرَّاءِ، وَأَبِي عَلِيٍّ.

الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَعْنَى: لَا يَحْسَبَنَّ الْكَافِرُ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَعَزَا هَذَا الْقَوْلَ لِعَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ كَالَّذِي قَبْلَهُ، إِلَّا أَنَّ الْفَاعِلَ فِي الْأَوَّلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الثَّانِي الْكَافِرُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقُرِئَ لَا يَحْسَبَنَّ بِالْيَاءِ، وَفِيهِ أَوْجُهٌ أَنْ يَكُونَ مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ هُمَا الْمَفْعُولَانِ.

وَالْمَعْنَى: لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَحَدًا يُعْجِزُ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى يَطْمَعُوا هُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنًى قَوِيٌّ جَيِّدٌ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَمِيرُ الرَّسُولِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ: لَا يَحْسَبَنَّهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ، ثُمَّ حُذِفَ الضَّمِيرُ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَكَأَنَّ الَّذِي سَوَّغَ ذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَيْنِ لَمَّا كَانَتْ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، اقْتُنِعَ بِذِكْرِ اثْنَيْنِ عَنْ ذِكْرِ الثَّالِثِ، اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: لَا يَحْسَبَنَّ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ خَطَأٌ أَوْ لَحْنٌ، كَلَامٌ سَاقِطٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ; لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ سَبْعِيَّةٌ ثَابِتَةٌ ثُبُوتًا لَا يُمْكِنُ الطَّعْنُ فِيهِ، وَقَرَأَ بِهَا مِنَ السَّبْعَةِ: ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ ; كَمَا تَقَدَّمَ.

وَأَظْهَرُ الْأَجْوِبَةِ عِنْدِي: أَنَّ مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ هُمَا الْمَفْعُولَانِ، فَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مُعَجِزِينَ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي الْأَرْضِ أَيْ: لَا تَحْسَبَنَّ مُعْجِزِينَ اللَّهَ مَوْجُودِينَ أَوْ كَائِنِينَ فِي الْأَرْضِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالٌ، رَاجِعَةٌ إِلَى قَوْلَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>