للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا نُشُورًا، أَيْ: بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمِنْ إِطْلَاقِهِمُ النُّشُورَ بِمَعْنَى الْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَصْدَرُ الثُّلَاثِيِّ اللَّازِمِ، قَوْلُ الْآخَرِ:

إِذَا قَبَّلْتَهَا كَرَعَتْ بِفِيهَا ... كُرُوعَ الْعَسْجَدِيَّةِ فِي الْغَدِيرِ

فَيَأْخُذْنِي الْعَنَاقُ مُبَرِّدٌ فِيهَا ... بِمَوْتٍ فِي عِظَامِي أَوْ فُتُورِ

فَنَحْيَا تَارَةً وَنَمُوتُ أُخْرَى ... وَنَخْلِطُ مَا نَمُوتُ بِالنُّشُورِ

فَقَدْ جَعَلَ الْغَيْبُوبَةَ مِنْ شِدَّةِ اللَّذَّةِ مَوْتًا، وَالْإِفَاقَةَ مِنْهَا نُشُورًا، أَيْ: حَيَاةً بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً، حُذِفَ فِيهِ أَحَدُ الْمَفْعُولَيْنِ، أَيِ: اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَصْنَامًا آلِهَةً ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً الْآيَةَ [٦ \ ٧٤] وَالْآلِهَةُ جَمْعُ إِلَهٍ، فَهُوَ فِعَالٌ مَجْمُوعٌ عَلَى أَفْعِلَةٍ، لِأَنَّ الْأَلِفَ الَّتِي بَعْدَ الْهَمْزَةِ مُبْدَلَةٌ مِنْ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ هِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ، كَمَا قَالَ فِي «الْخُلَاصَةِ» :

وَمَدًّا أَبْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ ... كِلْمَةٍ إِنْ يَسْكُنْ كَآثَرَ وَأْتَمِنْ

وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ فَهُوَ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَإِتْيَانُ الْفِعَالِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ جَاءَتْ مِنْهُ أَمْثِلَةٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْإِلَاهِ بِمَعْنَى الْمَأْلُوهِ، أَيِ: الْمَعْبُودِ، وَالْكِتَابِ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ، وَاللِّبَاسِ بِمَعْنَى الْمَلْبُوسِ، وَالْإِمَامِ بِمَعْنَى الْمُؤْتَمِّ بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَعْبُودَ بِحَقٍّ وَاحِدٌ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ أَسْمَاءٌ سَمَّاهَا الْكَفَّارُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ: وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [١٠ \ ٦٦] إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ الْآيَةَ ٥٣ \ ٢٣] .

قَوْلُهُ تَعَالَى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ، أَيْ: مَا هَذَا الْقُرْآنُ إِلَّا كَذِبٌ اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ عَلَى الْإِفْكِ الَّذِي افْتَرَاهُ قَوْمٌ آخَرُونَ، قِيلَ: الْيَهُودُ، وَقِيلَ: عَدَّاسٌ مَوْلَى حُوَيْطِبَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَيَسَارُ مَوْلَى الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَأَبُو فُكَيْهَةَ الرُّومِيُّ، قَالَ ذَلِكَ النَّضْرُ بْنُ الْحُرِّ الْعَبْدَرِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>