للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٢٧ \ ٧٥] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا، قَالَ فِيهِ ابْنُ كَثِيرٍ: هُوَ دُعَاءٌ لَهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَإِخْبَارٌ لَهُمْ بِأَنَّ رَحْمَتَهُ وَاسِعَةٌ، وَأَنَّ حِلْمَهُ عَظِيمٌ، وَأَنَّ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ، فَهَؤُلَاءِ مَعَ كَذِبِهِمْ، وَافْتِرَائِهِمْ، وَفُجُورِهِمْ، وَبُهْتَانِهِمْ، وَكُفْرِهِمْ، وَعِنَادِهِمْ، وَقَوْلِهِمْ عَنِ الرَّسُولِ وَالْقُرْآنِ مَا قَالُوا يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ عَمَّا هُمْ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْهُدَى ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٥ \ ٧٣ - ٧٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [٨٥ \ ١٠] .

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ.

وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى مِثْلِهِ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [٨ \ ٣٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا الْآيَةَ [٢٠ \ ٨٢] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا فِي نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لِهَذَا الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولٌ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ فِرْعَوْنَ فِي مُوسَى: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [٢٦ \ ٢٧] أَيْ: مَا لَهُ يَأْكُلُ الطَّعَامَ كَمَا نَأْكُلُهُ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْأَكْلِ كَاحْتِيَاجِنَا إِلَيْهِ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ أَيْ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، لِيُحَصِّلَ بِذَلِكَ قُوتَهُ، يَعْنُونَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَكَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الطَّعَامِ، وَلَا إِلَى الْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَادِّعَاءُ الْكَفَّارِ أَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُ النَّاسُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى الْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ، لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنْهَا، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رسولًا، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُرْسِلُ إِلَّا مَلَكًا لَا يَحْتَاجُ لِلطَّعَامِ وَلَا لِلْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَجَاءَ فِي آيَاتٍ أَيْضًا تَكْذِيبُ الْكُفَّارِ فِي دَعْوَاهُمْ هَذِهِ الْبَاطِلَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>