للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمَا أَنَا مِنْ رُزْءٍ وَإِنْ جَلَّ جَازِعُ ... وَلَا بِسُرُورٍ بَعْدَ مَوْتِكَ فَارِحُ

فَلَمَّا نَفَى أَنْ يَحْدُثَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَرَحٌ وَلَا جَزَعٌ قَالَ جَازِعٌ وَفَارِحٌ، وَالْأَصْلُ: جَزِعٌ وَفَرِحٌ.

وَمِثَالُهُ فِي فَعِيلٍ قَوْلُ لَبِيدٍ:

حَسِبْتُ التُّقَى وَالْجُودَ خَيْرَ تِجَارَةٍ ... رَبَاحًا إِذَا مَا الْمَرْءُ أَصْبَحَ ثَاقِلًا

فَلَمَّا أَرَادَ حُدُوثَ الثِّقَلِ قَالَ: ثَاقِلًا وَالْأَصْلُ ثَقِيلٌ، وَقَوْلُ السَّمْهَرِيِّ الْعُكْلِيِّ:

بِمَنْزِلَةٍ أَمَّا اللَّئِيمُ فَسَامِنٌ ... بِهَا وَكِرَامُ النَّاسِ بَادٍ شُحُوبُهَا

فَلَمَّا أَرَادَ حُدُوثَ السِّمَنِ قَالَ: فَسَامِنٌ وَالْأَصْلُ سَمِينٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ قِرَاءَةَ ابْنِ كَثِيرٍ «ضَيْقًا» بِسُكُونِ الْيَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ رَاجِعَةٌ فِي الْمَعْنَى إِلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ لِأَنَّ إِسْكَانَ الْيَاءِ تَخْفِيفٌ كَهَيْنٍ وَلَيْنٍ، فِي هَيِّنٍ وَلَيِّنٍ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا. التَّحْقِيقُ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ: أَذَلِكَ رَاجِعَةٌ إِلَى النَّارِ، وَمَا يَلْقَاهُ الْكَفَّارُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ كَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا بِقَوْلِهِ: وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا [٢٥ \ ١١] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا [٢٥ \ ١٤] وَغَيْرُ هَذَا مِنَ الْأَقْوَالِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِشَارَةَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْكَنْزِ وَالْجَنَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ الْآيَةَ [٢٥ \ ٨] وَكَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْجَنَّاتِ وَالْقُصُورِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى الْمَشِيئَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا [٢٥ \ ١٠] وَالتَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ شِدَّةَ عَذَابِ النَّارِ وَفَظَاعَتَهُ قَالَ: «أَذَلِكَ الْعَذَابُ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الْآيَةَ» .

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، جَاءَ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>