للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الْمَقِيلَ الْقَيْلُولَةُ أَوْ مَكَانُهَا، وَهِيَ الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ زَمَنَ الْحَرِّ مَثَلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

جَزَى اللَّهُ خَيْرَ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ

أَيْ نَزَلَا فِيهَا وَقْتَ الْقَائِلَةِ، كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ اللِّسَانِ، وَمَا فَسَّرَ بِهِ قَتَادَةُ الْآيَةَ، مِنْ أَنَّ الْمَقِيلَ الْمَنْزِلُ وَالْمَأْوَى، مَعْرُوفٌ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ رَوَاحَةَ:

الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ... ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ

فَقَوْلُهُ: يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ، يَعْنِي: يُزِيلُ الرُّءُوسَ عَنْ مَوَاضِعِهَا مِنَ الْأَعْنَاقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقِيلَ فِيهِ الْمَحَلُّ الَّذِي تَسْكُنُ فِيهِ الرُّءُوسُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ الْأَنْصَارِيِّ:

وَمَا تَدْرِي وَإِنْ أَجْمَعْتَ أَمْرًا ... بِأَيِّ الْأَرْضِ يُدْرِكُكَ الْمَقِيلُ

وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: بِأَيِّ الْأَرْضِ يُدْرِكُكَ الثَّوَابُ وَالْإِقَامَةُ بِسَبَبِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَصِيغَةُ التَّفْضِيلِ فِي قَوْلِهِ هُنَا: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا تَكَلَّمْنَا عَلَى مِثْلِهَا قَرِيبًا فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الْآيَةَ [٢٥ \ ١٥] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ السَّمَاءَ تَتَشَقَّقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْغَمَامِ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُنَزَّلُ تَنْزِيلًا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: تَتَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ أَيْ عَنِ الْغَمَامِ. قَالَ: وَالْبَاءُ وَعَنْ يَتَعَاقَبَانِ كَقَوْلِكَ: رُمِيتُ بِالْقَوْسِ، وَعَنِ الْقَوْسِ انْتَهَى. وَيُسْتَأْنَسُ لِمَعْنَى عَنْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا الْآيَةَ [٥٠ \ ٤٤] .

وَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ تَشَقُّقِ السَّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوُجُودِ الْغَمَامِ، وَتَنْزِيلِ الْمَلَائِكَةِ كُلُّهَا جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

أَمَّا تَشَقُّقُ السَّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَدْ بَيَّنَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [٥٥ \ ٣٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [٦٩ \ ١٥ - ١٦] وَقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>