للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضَرَبَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَمْثَالَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، لِيَتَفَكَّرُوا بِسَبَبِهَا، وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَا يَعْقِلُهَا إِلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي بِهَا قَوْمًا، وَيُضِلُّ بِهَا آخَرِينَ.

وَهَذِهِ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [٢ \ ٢٦] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [٣٩ \ ٢٧] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [٥٩ \ ٢١] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [٢٩ \ ٤٣] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ الْآيَةَ [٢٢ \ ٧٣] وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا.

أَقْسَمَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَمْطَرَ عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ، وَهِيَ سَذُومُ قَرْيَةُ قَوْمِ لُوطٍ، وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهُمَا أَنَّ اللَّهَ أَمْطَرَ هَذِهِ الْقَرْيَةَ مَطَرَ السَّوْءِ الَّذِي هُوَ حِجَارَةُ السِّجِّيلِ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ أَتَوْا عَلَيْهَا، وَمَرُّوا بِهَا جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخْرَى.

أَمَّا كَوْنُ اللَّهِ أَمْطَرَ عَلَيْهَا الْحِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [١٥ \ ٧٤] وَبَيَّنَ فِي سُورَةِ «الذَّارِيَاتِ» ، أَنَّ السِّجِّيلَ الْمَذْكُورَ نَوْعٌ مِنَ الطِّينِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ [٥١ \ ٣٢ - ٣٣] وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الطِّينَ وَقْعُهُ أَلِيمٌ، شَدِيدٌ مُهْلِكٌ ; وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [٢٦ \ ١٧٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ الْآيَةَ [١٥ \ ٧٢ - ٧٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>