للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ الصُّعُودَ إِلَى الْقَمَرِ بِآلَاتِهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى سَطْحِهِ، سَيَنْتَهِي أَمْرُهُمْ إِلَى ظُهُورِ حَقَارَتِهِمْ، وَضَعْفِهِمْ، وَعَجْزِهِمْ، وَذُلِّهِمْ أَمَامَ قُدْرَةِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَلَّ وَعَلَا.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْحِجْرِ» ، أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ [٣٨ \ ١٠ - ١١] .

فَإِنْ قِيلَ: الْآيَاتُ الَّتِي اسْتَدْلَلْتَ بِهَا عَلَى أَنَّ الْقَمَرَ فِي السَّمَاءِ الْمَحْفُوظَةِ فِيهَا احْتِمَالٌ عَلَى أُسْلُوبٍ عَرَبِيٍّ مَعْرُوفٍ، يَقْتَضِي عَدَمَ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا ذَكَرْتَ، وَهُوَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى اللَّفْظِ وَحْدَهُ، دُونَ الْمَعْنَى.

وَإِيضَاحُهُ أَنْ يُقَالَ فِي قَوْلِهِ: جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا، هِيَ السَّمَاءُ الْمَحْفُوظَةُ، وَلَكِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا، رَاجِعٌ إِلَى مُطْلَقِ لَفْظِ السَّمَاءِ الصَّادِقِ بِمُطْلَقِ مَا عَلَاكَ فِي اللُّغَةِ، وَهَذَا أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ، بِمَسْأَلَةِ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ، أَيْ: نِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [٣٥ \ ١١] أَيْ: وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ مُعَمَّرٍ آخَرَ.

قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ عِنْدَنَا دَلِيلٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَالْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَالتَّصْدِيقِ مِنْ أَقْوَالِ الْكَفَرَةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا.

قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [١٧ \ ٣٧] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا.

قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي الْآيَةَ [١٩ \ ٤٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>