للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةَ لِلْمُرَادِ بِالْقَوْلِ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِمْ فِي سُورَةِ «يس» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ الْآيَةَ [٣٦ \ ٧] ، وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ لَمَّا حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، الَّذِي هُوَ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [٣٢ \ ١٣] ، فَكَانُوا غَاوِينَ أَغْوَوْا أَتْبَاعَهُمْ ; لِأَنَّ مُتَّبِعَ الْغَاوِي فِي غَيِّهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَاوِيًا مِثْلَهُ، ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْقَصَصِ» : قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا الْآيَةَ [٢٨ \ ٦٣] ، وَالْإِغْوَاءُ: الْإِضْلَالُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الضَّالِّينَ وَالْمُضِلِّينَ مُشْتَرِكُونَ فِي الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبَيَّنَ فِي سُورَةِ «الزُّخْرُفِ» ، أَنَّ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكَ لَيْسَ بِنَافِعِهِمْ شَيْئًا ; وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [٤٣ \ ٣٩] ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ الْأَتْبَاعَ يَسْأَلُونَ اللَّهَ، أَنْ يُعَذِّبَ الْمَتْبُوعِينَ عَذَابًا مُضَاعَفًا لِإِضْلَالِهِمْ إِيَّاهُمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ الْآيَةَ [٧ \ ٣٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [٣٣ \ ٦٧ - ٦٨] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى تَخَاصُمِ أَهْلِ النَّارِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ فِي سُورَةِ «ص» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [٣٨ \ ٦٤] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ الْآيَةَ [٣٧ \ ٣٤ - ٣٥] .

بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ الَّذِي فَعَلَهُ بِهَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>