للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي مِنْ نَوْعَيِ الْقَصْرِ: كَوْنُهُنَّ مَقْصُورَاتٌ فِي خِيَامِهِنَّ، لَا يَخْرُجْنَ مِنْهَا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى لِأَزْوَاجِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [٣٣ \ ٣٣] ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [٥٥ \ ٧٢] ، وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ مَقْصُورَةٌ فِي بَيْتِهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ صِفَاتِهَا الْجَمِيلَةِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

مَنْ كَانَ حَرْبًا لِلنِّسَاءِ ... فَإِنَّنِي سِلْمٌ لَهُنَّهْ

فَإِذَا عَثَرْنَ دَعَوْنَنِي ... وَإِذَا عَثَرْتُ دَعُوتُهُنَّهْ

وَإِذَا بَرَزْنَ لِمَحْفِلٍ ... فَقِصَارُهُنَّ مِلَاحُهُنَّهْ

فَقَوْلُهُ: قِصَارُهُنَّ، يَعْنِي: الْمَقْصُورَاتِ مِنْهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ اللَّاتِي لَا يَخْرُجْنَ إِلَّا نَادِرًا، كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ فِي قَوْلِهِ:

وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ كُلَّ قَصِيرَةٍ ... إِلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ الْقَصَائِرُ

عَنَيْتُ قَصِيرَاتِ الْحِجَالِ وَلَمْ أُرِدْ ... قِصَارَ الْخُطَا شَرُّ النِّسَاءِ الْبَحَاتِرُ

وَالْحِجَالُ: جَمْعُ حَجْلَةٍ، وَهِيَ الْبَيْتُ الَّذِي يُزَيَّنُ لِلْعَرُوسِ، فَمَعْنَى قَصِيرَاتِ الْحِجَالِ: الْمَقْصُورَاتِ فِي حِجَالِهِنَّ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ رَجُلًا سَمِعَ آخَرَ، قَالَ: لَقَدْ أَجَادَ الْأَعْشَى فِي قَوْلِهِ:

غَرَّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُهَا ... تَمْشِي الْهُوَيْنَا كَمَا يَمْشِي الْوَجَى الْوَحِلُ

كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا ... مَرُّ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلُ

لَيْسَتْ كَمَنْ يَكْرَهُ الْجِيرَانُ طَلْعَتَهَا ... وَلَا تَرَاهَا لِسِرِّ الْجَارِ تَخْتَتِلُ

فَقَالَ لَهُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، تَسْتَحْسِنُ غَيْرَ الْحَسَنِ هَذِهِ الْمَوْصُوفَةُ خَرَّاجَةٌ وَلَّاجَةٌ، وَالْخَرَّاجَةُ الْوَلَّاجَةُ لَا خَيْرَ فِيهَا وَلَا مَلَاحَةَ لَهَا، فَهَلَّا قَالَ كَمَا قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ:

وَتَكْسَلُ عَنْ جَارَاتِهَا فَيَزُرْنَهَا ... وَتَعْتَلُّ مِنْ إِتْيَانِهِنَّ فَتُعْذَرُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ بِالْقُرْآنِ فِي سُورَةِ «الْفُرْقَانِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [٢٥ \ ١٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>