للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حِينَ قَالَ فِرْعَوْنُ: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ الْآيَةَ [٤٠ \ ٢٦] . مَعَ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ، يَسْتَحِقُّ بِهِ الْقَتْلَ، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ.

وَقَدْ بَيَّنَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّنْكِيلَ بِهِمْ، وَإِخْرَاجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَيَقُولُونَ: رَبُّنَا اللَّهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ، الَّذِينَ حَرَّقُوا الْمُؤْمِنِينَ: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [٨٥ \ ٤ - ٨] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [٢٢ \ ٣٩ - ٤٠] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَنِ الَّذِينَ كَانُوا سَحَرَةً لِفِرْعَوْنَ، وَصَارُوا مِنْ خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ، لَمَّا هَدَّدَهُمْ فِرْعَوْنُ قَائِلًا: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [٧ \ ١٢٤] أَنَّهُمْ أَجَابُوهُ، بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ، فِي قَوْلِهِ: قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا [٧ \ ١٢٥ - ١٢٦] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ جَمَاعَةِ فِرْعَوْنَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: «مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ» .

فَدَعْوَى أَنَّهُ إِسْرَائِيلِيٌّ وَأَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقِدِيمًا وَتَأْخِيرًا. وَأَنَّ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مُتَعَلِّقٌ بِـ (يَكْتُمُ) ، أَيْ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أَيْ يُخْفِي إِيمَانَهُ عَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ خِلَافَ التَّحْقِيقِ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي قَالَ لِمُوسَى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ [٢٨ \ ٢٠] وَقِيلَ غَيْرُهُ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْمِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقِيلَ: اسْمُهُ حَبِيبٌ، وَقِيلَ: اسْمُهُ شَمْعَانُ، وَقِيلَ: اسْمُهُ حِزْقِيلُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَالظَّاهِرُ فِي إِعْرَابِ الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مَنْ أَنْ وَصِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>