للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [٥٠ \ ٢٢] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا [٤٠ \ ٤٤ - ٤٥] دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ التَّوَكُّلَ الصَّادِقَ عَلَى اللَّهِ، وَتَفْوِيضَ الْأُمُورِ إِلَيْهِ سَبَبٌ لِلْحِفْظِ وَالْوِقَايَةِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْفَاءَ مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيلِ، كَقَوْلِهِمْ: سَهَا فَسَجَدَ، أَيْ: سَجَدَ لِعِلَّةِ سَهْوِهِ، وَسَرَقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، أَيْ: لِعِلَّةِ سَرِقَتِهِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا.

وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ كَوْنِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ سَبَبًا لِلْحِفْظِ، وَالْوِقَايَةِ مِنَ السُّوءِ، جَاءَ مُبِيَّنًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [٦٥ \ ٣] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [٣ \ ١٧٣ - ١٧٤] .

وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ بِكَثْرَةٍ، فِي أَوَّلِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا [١٧ \ ٢] .

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ: سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا [٤٠ \ ٤٥] مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَكْرِهِمْ، أَيْ: أَضْرَارَ مَكْرِهِمْ وَشَدَائِدَهُ، وَالْمَكْرُ: الْكَيْدُ.

فَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، عَلَى أَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ أَرَادُوا أَنْ يَمْكُرُوا بِهَذَا الْمُؤْمِنِ الْكَرِيمِ وَأَنَّ اللَّهَ وَقَاهُ، أَيْ حَفِظَهُ وَنَجَّاهُ، مِنْ أَضْرَارِ مَكْرِهِمْ وَشَدَائِدِهِ بِسَبَبِ تَوَكُّلِهِ عَلَى اللَّهِ، وَتَفْوِيضِهِ أَمْرَهُ إِلَيْهِ.

وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُمْ مَعَ مُوسَى وَقَوْمِهِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: صَعِدَ جَبَلًا فَأَعْجَزَهُمُ اللَّهُ عَنْهُ وَنَجَّاهُ مِنْهُمْ، وَكُلُّ هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَغَايَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّ اللَّهَ وَقَاهُ سَيِّئَاتِ مَكْرِهِمْ، أَيْ حَفِظَهُ وَنَجَّاهُ مِنْهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَمْكُرُوا بِهَذَا الْمُؤْمِنِ وَقَاهُ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، وَرَدَّ الْعَاقِبَةَ السَّيِّئَةَ عَلَيْهِمْ، فَرَدَّ سُوءَ مَكْرِهِمْ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ الْمُؤْمِنُ الْمَذْكُورُ نَاجِيًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ هَالِكِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>