للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنِ الْوَلَدِ، وَعَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَيِ الْآنِفَيْنِ الْمُسْتَنْكِفَيْنِ مِنْ ذَلِكَ، يَعْنِي الْقَوْلَ الْبَاطِلَ الْمُفْتَرَى عَلَى رَبِّنَا الَّذِي هُوَ ادِّعَاءُ الْوَلَدِ لَهُ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَبِدَ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - يَعْبَدُ - بِفَتْحِهَا - فَهُوَ عَبِدٌ - بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ - عَلَى الْقِيَاسِ، وَعَابِدٌ أَيْضًا سَمَاعًا إِذَا اشْتَدَّتْ أَنَفَتُهُ وَاسْتِنْكَافُهُ وَغَضَبُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

أُولَئِكَ قَوْمِي إِنْ هَجَوْنِي هَجَوْتُهُمْ ... وَأَعْبِدُ أَنْ أَهْجُوَ كُلَيْبًا بِدَارِمِ

فَقَوْلُهُ: وَأَعْبِدُ، يَعْنِي آنَفُ وَأَسْتَنْكِفُ.

وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ الْآخَرِ: مَتَى مَا يَشَأْ ذُو الْوُدِّ يَصْرُمُ خَلِيلَهُ وَيَعْبَدُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ ظَالِمًا

وَفِي قِصَّةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَشْهُورَةِ، أَنَّهُ جِيءَ بِامْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ تَزَوَّجَتْ، فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَبَعَثَ بِهَا عُثْمَانُ لِتُرْجَمَ، اعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا قَبْلَ الْعَقْدِ لِوِلَادَتِهَا قَبْلَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [٤٦ \ ١٥] وَيَقُولُ - جَلَّ وَعَلَا -: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [٣١ \ ١٤] فَلَمْ يَبْقَ عَنِ الْفِصَالِ مِنَ الْمُدَّةِ إِلَّا سِتَّةُ أَشْهُرٍ.

فَمَا عَبِدَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ بَعَثَ إِلَيْهَا لِتُرَدَّ وَلَا تُرْجَمَ.

وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنَ الْقِصَّةِ، فَوَاللَّهِ: (مَا عَبِدَ عُثْمَانُ) أَيْ مَا أَنِفَ وَلَا اسْتَنْكَفَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَعْنَى فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَيِ الْجَاحِدِينَ النَّافِينَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا -.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ (إِنْ) نَافِيَةٌ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِهَا شَرْطِيَّةً لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِحَّ لَهُ مَعْنًى بِحَسَبِ وَضْعِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَإِنْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَجِلَّاءِ الْعُلَمَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>