للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَقَوْلِ قُتَيْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أَوِ النَّضْرِ الْعَبْدَرِيَّةِ:

أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً ... مَا إِنْ نَزِلَّ بِهَا النَّجَائِبَ تُخْفِقُوا

وَقَوْلِ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ فِي الْخَنْسَاءِ:

مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِهِ ... كَالْيَوْمِ طَالِي أَيَنُقٍ جُرْبِ

فَـ (إِنْ) زَائِدَةٌ بَعْدَ (مَا) النَّافِيَةِ فِي الْبَيْتَيْنِ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَقَدْ حَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ (مَا) الْمَوْصُولَةَ، فَقَالُوا: تُزَادُ بَعْدَهَا (إِنْ) كَآيَةِ «الْأَحْقَافِ» هَذِهِ. وَأَنْشَدَ لِذَلِكَ الْأَخْفَشُ: يُرَجِّي الْمَرْءُ مَا إِنْ لَا يَرَاهُ وَتَعْرِضُ دُونَ أَدْنَاهُ الْخُطُوبُ

أَيْ يُرْجِّي الْمَرْءُ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يَرَاهُ، وَإِنْ زَائِدَةٌ، وَهَذَانِ هُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ لَا تَظْهَرُ صِحَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا فِيهِ حَذْفٌ وَتَقْدِيرٌ.

وَالثَّانِي مِنْهُمَا فِيهِ زِيَادَةُ كَلِمَةٍ.

وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.

أَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - فَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ (إِنْ) نَافِيَةٌ بَعْدَ (مَا) الْمَوْصُولَةِ، أَيْ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الَّذِي مَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ فِي الْأَجْسَامِ، وَكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالْعَدَدِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْقُرْآنَ يَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ لِكَثْرَةِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ يُهَدِّدُ كُفَّارَ مَكَّةَ بِأَنَّ الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ كَانَتْ أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَقُوَّةً، وَأَكْثَرَ مِنْهُمْ عَدَدًا وَأَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، فَلَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ لِيَخَافُوا مِنْ تَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ بِسَبَبِهِ، كَمَا أَهْلَكَ الْأُمَمَ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «الْمُؤْمِنِ» : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [٤٠ \ ٨٢] .

وَقَوْلُهُ فِيهَا أَيْضًا: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ الْآيَةَ [٤٠ \ ٢١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>