للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِيضَاحُ هَذَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى وَقَعَ لَهُمْ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّلَ لَهُمْ ذَلِكَ أَيْ سَهَّلَهُ لَهُمْ وَزَيَّنَهُ لَهُمْ وَحَسَّنَهُ لَهُمْ وَمَنَّاهُمْ بِطُولِ الْأَعْمَارِ ; لِأَنَّ طُولَ الْأَمَلِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ارْتِكَابِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي.

وَفِي هَذَا الْحَرْفِ قِرَاءَتَانِ سَبْعِيَّتَانِ: قَرَأَهُ عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو وَأَمْلَى لَهُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى الشَّيْطَانِ.

وَأَصْلُ الْإِمْلَاءِ الْإِمْهَالُ وَالْمَدُّ فِي الْأَجَلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [٧ \ ١٨٣] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [٣ \ ١٧٨] .

وَمَعْنَى إِمْلَاءِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ وَعْدُهُ إِيَّاهُمْ بِطُولِ الْأَعْمَارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [٤ \ ١٢٠] .

وَقَالَ تَعَالَى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [١٧ \ ٦٤] .

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: وَأَمْلَى لَهُمْ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْمَعْنَى: الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ أَيْ سَهَّلَ لَهُمُ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ، وَزَيَّنَ ذَلِكَ وَحَسَّنَهُ لَهُمْ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - أَمْلَى لَهُمْ: أَيْ أَمْهَلَهُمْ إِمْهَالَ اسْتِدْرَاجٍ.

وَكَوْنُ التَّسْوِيلِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالْإِمْهَالِ مِنَ اللَّهِ، قَدْ تَشْهَدُ لَهُمْ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ [٨ \ ٤٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [١٦ \ ٦٣] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [١٤ \ ٢٢] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي إِمْلَاءِ اللَّهِ لَهُمُ اسْتِدْرَاجًا: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [٦٨ \ ٤٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>