للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

سُورَةُ الْحُجُرَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: لَا تُقَدِّمُوا فِيهِ لِعُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ مِنْهَا وَهُوَ أَصَحُّهَا وَأَظْهَرُهَا أَنَّهُ مُضَارِعُ «قَدَّمَ» اللَّازِمِ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ.

وَمِنْهُ مُقَدِّمَةُ الْجَيْشِ، وَمُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ بِكَسْرِ الدَّالِّ فِيهِمَا، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلِ «قَدَّمَ» بِمَعْنَى تَقَدَّمَ.

وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ مِنَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ هُمْ تَمَامُ الْعَشَرَةِ: «لَا تَقَدَّمُوا» بِفَتْحِ التَّاءِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ، وَأَصْلُهُ: لَا تَتَقَدَّمُوا فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُضَارِعُ «قَدَّمَ» الْمُتَعَدِّي، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ لِإِرَادَةِ التَّعْمِيمِ، أَيْ: لَا تُقَدِّمُوا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَلْ أَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ حَتَّى تَصْدُرُوا فِيهِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُضَارِعُ «قَدَّمَ» الْمُتَعَدِّي، وَلَكِنَّهَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى اللَّازِمِ، وَقُطِعَ النَّظَرُ عَنْ وُقُوعِهَا عَلَى مَفْعُولِهَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ أَصْلُ الْفِعْلِ دُونَ وُقُوعِهِ عَلَى مَفْعُولٍ.

وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [٤٠ \ ٦٨] ، أَيْ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَلَا يُرَادُ فِي ذَلِكَ وُقُوعُهُمَا عَلَى مَفْعُولٍ.

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [٣٩ \ ٩] ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُتَّصِفِينَ بِالْعِلْمِ لَا يَسْتَوُونَ مَعَ غَيْرِ الْمُتَّصِفِينَ بِهِ.

وَلَا يُرَادُ هُنَا وُقُوعُ الْعِلْمِ عَلَى مَفْعُولٍ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَا تُقَدِّمُوا لَا تَكُونُوا مِنَ الْمُتَّصِفِينَ بِالتَّقْدِيمِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كَلَامِنَا الطَّوِيلِ عَلَى آيَةِ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [٤ \ ٨٢] أَنَّ لَفْظَةَ: بَيْنَ يَدَيْهِ [٢ \ ٩٧] ، مَعْنَاهَا أَمَامَهُ، وَذَكَرْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>