للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْتَرَةَ هَذَا خِلَافًا لِمَا ظَنَّهُ صَاحِبُ تَاجِ الْعَرُوسِ، بَلْ مُرَادُ عَنْتَرَةَ بِالْمِشَكِّ الدِّرْعُ، وَأَضَافَهُ إِلَى السَّابِغَةِ الَّتِي هِيَ الدِّرْعُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْعَلَمِ، وَعَقَدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فَأَضِفْ ... حَتْمًا وَإِلَّا أَتْبِعِ الَّذِي رُدِفَ

لِأَنَّ الْإِضَافَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَلَا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ ... مَعْنًى وَأَوِّلْ مُوهِمًا إِذَا وَرَدْ

إِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا مِنِ اسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَالْعَرَبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ كَافٍ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ مَعَ كَثْرَةِ وُرُودِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَالْعَرَبِيَّةِ.

وَيَدُلُّ لَهُ تَصْرِيحُهُمْ بِلُزُومِ إِضَافَةِ الِاسْمِ إِلَى اللَّقَبِ إِنْ كَانَا مُفْرَدَيْنِ نَحْوَ سَعِيدِ كُرْزٍ، لِأَنَّ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَأْوِيلٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ اللَّازِمَ كَمَا تَرَى، فَكَوْنُهُ أُسْلُوبًا أَظْهَرُ.

وَقَوْلُهُ: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [٥٦ \ ٩٦] ، التَّسْبِيحُ: أَصْلُهُ الْإِبْعَادُ عَنِ السُّوءِ، وَتَسْبِيحُ اللَّهِ وَتَنْزِيهُهُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَذَلِكَ التَّنْزِيهُ وَاجِبٌ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ: بِاسْمِ رَبِّكَ [٥٦ \ ٩٦] دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ الْآيَةَ [١٩ \ ٢٥] أَدِلَّةً كَثِيرَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ عَلَى دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَفْعُولِ الَّذِي يَتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [١٩ \ ٢٥] ، وَالْمَعْنَى: وَهُزِّي جِذْعَ النَّخْلَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ [٢٢ \ ٢٥] ، أَيْ إِلْحَادًا إِلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْعَظِيمِ كَمَا يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْأَعْلَى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [٨٧ \ ١] .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الِاسْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُسَمَّى، أَيْ سَبِّحْ رَبَّكَ، وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>