للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فُسِّرَتِ التِّجَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [٦١ \ ١١] .

التِّجَارَةُ: هِيَ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ طَلَبًا لِلرِّبْحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ [٢ \ ٢٨٢] وَقَالَ تَعَالَى: وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا [٩ \ ٢٤] .

وَالتِّجَارَةُ هُنَا فُسِّرَتْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبِذْلِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَمَا هِيَ الْمُعَارَضَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ الْهَامَّةِ، بَيَّنَهَا تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [٩ \ ١١١] ، فَهُنَا مُبَايَعَةٌ، وَهُنَا بُشْرَى وَهُنَا فَوْزٌ عَظِيمٌ.

وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ [٦١ \ ١٢ - ١٣] .

وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهُ مَنْ فَاتَتْهُ هَذِهِ الصَّفْقَةُ الرَّابِحَةُ فَهُوَ لَا مَحَالَةَ خَاسِرٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [٢ \ ١٦] .

حَقِيقَةُ هَذِهِ التِّجَارَةِ أَنَّ رَأْسَ مَالِ الْإِنْسَانِ حَيَاتُهُ وَمُنْتَهَاهُ مَمَاتُهُ.

وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» وَالْعَرَبُ تَعْرِفُ هَذَا الْبَيْعَ فِي الْمُبَادَلَةِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهَلُ فِيكُمُ ... فَإِنِّي شَرَيْتُ الْحِلْمَ بَعْدَكِ بِالْجَهْلِ

وَقَوْلِ الْآخَرِ:

بَدَّلْتُ بِالْجُمَّةِ رَأْسًا أَزْعَرَا ... وَبِالثَّنَايَا الْوَاضِحَاتِ الدَّرْدَرَا كَمَا

اشْبَرَى الْمُسْلِمُ إِذْ تَنَصَّرَا

فَأَطْلَقَ الشِّرَاءَ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ.

تَنْبِيهٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>