للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِذَاكَ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [٢ \ ٢٣٥] وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالْإِحْصَاءِ.

وَالْإِحْصَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُقَدَّرٍ مَعْلُومٍ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، مُؤَكِّدٌ لِهَذَا كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ فِيهِ نَصٌّ صَرِيحٌ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَيًّا كَانَ هُوَ قَدْرًا لَا يَتَعَدَّاهُ لَا بِزِيَادَةٍ وَلَا بِنَقْصٍ، وَلَفْظُ شَيْءٍ أَعَمُّ الْعُمُومَاتِ.

وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَمِنَ الْآيَاتِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [٥٤ \ ٤٩] . وَقَوْلُهُ: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [٢٥ \ ٢] . وَقَوْلُهُ: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [١٣ \ ٨] . وَقَدْ جَمَعَ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ قَوْلُهُ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [١٥ \ ٢١] .

وَمِنَ التَّقْدِيرِ الْخَاصِّ فِي مَخْصُوصِ قَوْلِهِ: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [٣٦ \ ٣٨ - ٤٠] .

إِنَّهَا قُدْرَةٌ بَاهِرَةٌ وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، وَإِرَادَةٌ قَاهِرَةٌ، وَسُلْطَةٌ غَالِبَةٌ، قُدْرَةُ مَنْ أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

وَقَدْ قَالَ عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ: أَنَّ حِسَابَ مَسِيرِ هَذِهِ الْأَفْلَاكِ فِي مَنَازِلِهَا أَدَقُّ مَا يَكُونُ مِنْ مِئَاتِ أَجْزَاءِ الثَّانِيَةِ، وَلَوِ اخْتَلَفَ جُزْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ لَاخْتَلَّ نِظَامُ الْعَالَمِ وَلَمَا صَلُحَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَيَاةٌ، وَنَحْنُ نُشَاهِدُ حَرَكَةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَنُقْصَانَهُمَا وَزِيَادَتَهُمَا وَفُصُولَ السَّنَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [٧٣ \ ٢٠] .

وَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى يُحْصِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّقْدِيرُ لِوُجُودِ الْإِنْسَانِ قَبْلَ وَبَعْدَ وُجُودِهِ، قَالَ تَعَالَى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [٨٠ \ ١٨ - ١٩] ، أَيْ: قَدَّرَ خَلْقَهُ وَصُورَتَهُ وَنَوْعَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [٤٢ \ ٤٩ - ٥٠] .

وَهَذَا أَيْضًا مِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ يَرُدُّ بِهَا سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ جَحَدَ وُجُودَ اللَّهِ وَكَفَرَ بِالْبَعْثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>