للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذَّلُولُ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الذُّلِّ.

تَقُولُ: دَابَّةٌ ذَلُولٌ بَيِّنَةُ الذُّلِّ، وَقِيلَ فِي مَعْنَى تَذْلِيلِ الْأَرْضِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا، وَمَجْمُوعُهَا دَائِرٌ عَلَى تَمْكِينِ الِانْتِفَاعِ مِنْهَا عَنْ تَسْهِيلِ الِاسْتِقْرَارِ عَلَيْهَا وَتَثْبِيتِهَا بِالْجِبَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [٧٩ \ ٣٢ - ٣٣] .

وَمِنْ إِمْكَانِ الزَّرْعِ فِيهَا كَقَوْلِهِ: فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا [٨٠ \ ٢٧ - ٢٨] إِلَى قَوْلِهِ أَيْضًا: مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [٨٠ \ ٣٢] ، وَقَدْ جُمِعَ أَكْثَرُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا [٧٧ \ ٢٥ - ٢٧] .

وَكُنْتُ أَسْمَعُ الشَّيْخَ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّهَا مِنْ تَسْخِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَرْضِ أَنْ جَعَلَهَا كِفَاتًا لِلْإِنْسَانِ فِي حَيَاتِهِ بِتَسْهِيلِ مَعِيشَتِهِ مِنْهَا وَحَيَاتِهِ عَلَى ظَهْرِهَا، فَإِذَا مَاتَ كَانَتْ لَهُ أَيْضًا كِفَاتًا بِدَفْنِهِ فِيهَا.

وَيَقُولُ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهَا حَدِيدًا، وَنُحَاسًا فَلَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَحْرُثَ فِيهَا، وَلَا يَحْفِرَ وَلَا يَبْنِيَ، وَإِذَا مَاتَ لَا يَجِدُ مَدْفَنًا فِيهَا.

وَمِمَّا يُشِيرُ إِلَى هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [٦٧ \ ١٥] ; لِتَرَتُّبِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالْفَاءِ، أَيْ: بِسَبَبِ تَذْلِيلِهَا بِتَيْسِيرِ الْمَشْيِ فِي أَرْجَائِهَا، وَطَلَبِ الرِّزْقِ فِي أَنْحَائِهَا بِالتَّسَبُّبِ فِيهَا مِنْ زِرَاعَةٍ وَصِنَاعَةٍ وَتِجَارَةٍ إِلَخْ.

وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَكِنَّ التَّقْدِيمَ لِهَذَا الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فِيهِ امْتِنَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ مِمَّا يُشْعِرُ أَنَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ مَعَ الْإِبَاحَةِ تَوْجِيهًا وَحَثًّا لِلْأُمَّةِ عَلَى السَّعْيِ وَالْعَمَلِ وَالْجِدِّ، وَالْمَشْيِ فِي مَنَاكِبِ الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ; لِتَسْخِيرِهَا وَتَذْلِيلِهَا، مِمَّا يَجْعَلُ الْأُمَّةَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهَا.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [٢٢ \ ٦٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>