للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كُلُّ مَا خُصِّصَ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْإِضَافَةِ هُنَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ مَعَ الْإِشْعَارِ بِاخْتِصَاصِهَا بِاللَّهِ، أَيْ: بِعِبَادَتِهِ وَذِكْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ [٢٤ \ ٣٦ - ٣٧] .

وَلِهَذَا مُنِعَتْ مِنَ اتِّخَاذِهَا لِأُمُورِ الدُّنْيَا مِنْ بَيْعٍ وَتِجَارَةٍ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ» رَوَاهُ النِّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

وَكَذَلِكَ إِنْشَادُ الضَّالَّةِ ; لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً بِالْمَسْجِدِ، فَقُولُوا لَهُ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ; فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِذَلِكَ ; إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ» ، وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَنَى رَحْبَةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تُسَمَّى: الْبَطْحَاءَ. وَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا، أَوْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ، فَلْيَخْرُجْ إِلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ.

وَاللَّغَطُ هُوَ: الْكَلَامُ الَّذِي فِيهِ جَلَبَةٌ وَاخْتِلَاطٌ. وَأَلْ فِي الْمَسَاجِدِ: لِلِاسْتِغْرَاقِ ; فَتُفِيدُ شُمُولَ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ، كَمَا تَدُلُّ فِي عُمُومِهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَلَكِنْ جَاءَتْ آيَاتٌ تُخَصِّصُ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ بِمَزِيدِ فَضْلٍ وَاخْتِصَاصٍ، وَهِيَ:

الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ; خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [٣ \ ٩٦ - ٩٧] . فَذَكَرَ هُنَا سَبْعَ خِصَالٍ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ مِنْ أَنَّهُ: أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، وَمُبَارَكٌ، وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، وَفِيهِ آيَاتُ بَيِّنَاتٌ، وَمَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ إِلَيْهِ، وَآيَاتٌ أُخَرُ.

وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ; قَالَ تَعَالَى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [١٧ \ ١] فَخُصَّ بِكَوْنِهِ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ، وَبِالْبَرَكَةِ حَوْلَهُ، وَأُرِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>