للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

سُورَةُ الْأَعْلَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى

تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّسْبِيحِ، وَهُوَ التَّنْزِيهُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ، وَالْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ هُنَا مُنْصَبٌّ عَلَى اسْمِ رَبِّكَ، وَفِي آيَاتٍ أُخَرَ جَاءَ الْأَمْرُ بِتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [٧٦ \ ٢٦] . وَمِثْلِ: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [٣٠ \ ١٧] .

وَتَسْبِيحُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ كَقَوْلِهِ: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [٣٧ \ ١٨٠] ، فَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، هَلِ الْمُرَادُ تَسْبِيحُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَوِ الْمُرَادُ تَسْبِيحُ اسْمِهِ تَعَالَى، كَمَا هُوَ هُنَا؟ ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِتَسْبِيحِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَجَاءَتْ مَسْأَلَةُ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى.

وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي سُورَةِ «الْوَاقِعَةِ» ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [٥٦ \ ٩٦] ، قَوْلُهُ: إِنَّ الْبَاءَ هُنَاكَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِ كَدُخُولِهَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [١٩ \ ٢٥] ، وَأَحَالَ عَلَى مُتَقَدِّمٍ فِي ذَلِكَ، وَحَكَى كَلَامَ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ الِاسْمَ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ بِقَوْلِ لَبِيدٍ:

إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ

وَقَالَ: لَا يَلْزَمُ فِي نَظَرِي أَنَّ الِاسْمَ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى هُنَا ; لِإِمْكَانِ كَوْنِ الْمُرَادِ نَفْسُ الِاسْمِ ; لِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ أَلْحَدَ فِيهَا قَوْمٌ وَنَزَّهَهَا آخَرُونَ، وَوَصَفَهَا اللَّهُ بِأَنَّهَا بَالِغَةُ غَايَةِ الْحُسْنِ ; لِاشْتِمَالِهَا عَلَى صِفَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [٧ \ ١٨٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>