للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا [٢٠ \ ٧٤] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى أَسْنَدَ الْفَلَاحَ هُنَا إِلَى: «مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَسْنَدَ التَّزْكِيَةَ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا

[٢٤ \ ٢١] ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى، نَهَى عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ «النُّورِ» عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَلَى أَنْ «زَكَا» بِمَعْنَى تَطَهَّرَ مِنَ الشُّكْرِ وَالْمَعَاصِي، لَا عَلَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ آيَةَ «النَّجْمِ» إِنَّمَا نَهَى فِيهَا عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ ; لِمَا فِيهِ مِنِ امْتِدَاحِهَا، وَقَدْ لَا يَكُونُ صَحِيحًا كَمَا فِي سُورَةِ «الْحُجُرَاتِ» : قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [٤٩ \ ١٤] وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى قُرِئَ: «تُؤْثِرُونَ» بِالتَّاءِ وَبِالْيَاءِ رَاجِعًا إِلَى الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى [٨٧ \ ١١ - ١٢] ، وَعَلَى أَنَّهَا بِالتَّاءِ لِلْخِطَابِ أَعَمُّ، وَحَيْثُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَامٌّ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَيُذْكَرُ فِي الصُّحُفِ الْأُولَى كُلِّهَا عَامَّةً، وَفِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى خُطُورَتِهِ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ.

وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى أَسْبَابِ ذَلِكَ مِنْهَا: الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَقَائِقِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [٢٩ \ ٦٤] ، أَيِ: الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ.

وَقَدْ رَوَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَوْلَهُ: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى، وَالْآخِرَةُ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُؤْثَرَ خَزَفٌ يَبْقَى عَلَى ذَهَبٍ يَفْنَى، فَكَيْفَ وَالْآخِرَةُ مَنْ ذَهَبٍ يَبْقَى وَالدُّنْيَا مِنْ خَزَفٍ يَفْنَى؟

وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّ الدُّنْيَا زُيِّنَتْ لِلنَّاسِ، وَعُجِّلَتْ لَهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>