للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [٣ \ ١٤] .

ثُمَّ قَالَ: ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [٣ \ ١٤] .

وَبَيِّنَ تَعَالَى هَذَا الْمَآبَ الْحَسَنَ وَهُوَ فِي وَصْفِهِ يُقَابِلُ: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَقَالَ: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [٣ \ ١٥] .

تَأَمَّلْ هَذَا الْبَدِيلَ، فَفِي الدُّنْيَا: ذَهَبٌ، وَخَيْلٌ، وَنِسَاءٌ، وَالْأَنْعَامُ، وَالْحَرْثُ، وَقَدْ قَابَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْجَنَّةِ ; فَعَمَّتْ وَشَمِلَتْ. وَلَكِنْ نَصَّ عَلَى أَزْوَاجٍ مُطَهَّرَةٍ ; لِيَعْرِفَ الْفَرْقَ بَيْنَ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَنِسَاءِ الْآخِرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي: وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، وَلَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَخَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ [٥٦ \ ١٩] ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَنُصُّ عَلَى الْخَيْرِيَّةِ فِي الْآخِرَةِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ آثَرَ الْآخِرَةَ غَالِبٌ عَلَى مَنْ آثَرَ الدُّنْيَا، وَظَاهَرٌ عَلَيْهِ، كَمَا صَرَّحَ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [٢ \ ٢١٢] .

فَمِنْ هَذَا ; يَظْهَرُ أَنَّ أَسْبَابَ إِيثَارِ النَّاسِ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا، هُوَ تَزْيِينُهَا وَزَخْرَفَتُهَا فِي أَعْيُنِهِمْ: بِالْمَالِ، وَالْبَنِينَ، وَالْخَيْلِ، وَالْأَنْعَامِ: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [١٨ \ ٤٦] .

وَقَدْ سِيقَ هَذَا، لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ فَحَسْبُ، بَلْ إِنَّ مِنْ وَرَائِهِ مَا يُسَمَّى لَازِمَ الْفَائِدَةَ، وَهُوَ ذَمُّ مَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ، فَوَجَبَ الْبَحْثُ عَنِ الْعِلَاجِ لِهَذِهِ الْحَالَةِ.

وَإِذَا ذَهَبْنَا نَتَطَلَّبُ الْعِلَاجَ، فَإِنَّنَا فِي الْوَاقِعِ نُوَاجِهُ أَخْطَرَ مَوْضُوعٍ عَلَى الْإِنْسَانِ ; لِأَنَّهُ يَشْمَلُ حَيَاتَهُ الدُّنْيَا وَمَآلَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَيَتَحَكَّمُ فِي سَعَادَتِهِ وَفَوْزِهِ، أَوْ شَقَاوَتِهِ وَحِرْمَانِهِ، وَإِنَّ أَقْرَبَ مَأْخَذٍ لَنَا لَهُوَ هَذَا الْمَوْطِنُ بِالذَّاتِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَهُوَ بِضَمِيمَةِ مَا قَبْلَهَا إِلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى [٨٧ \ ١٠ - ١٢] ، وَبَعْدَهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [٨٧ \ ١٤ ١٤ - ٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>