للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بُيُوتِهَا: كِنَايَةٌ عَنْ طُولِ أَجْسَامِهِمْ، كَمَا قِيلَ فِي صَخْرٍ:

رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ

وَطُولُ الْأَجْسَامِ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ أَصْحَابِهَا.

وَقِيلَ: إِرَمُ كَانَتْ مَدِينَةً رَفِيعَةَ الْبُنْيَانِ، وَذَكَرُوا فِي أَخْبَارِهَا قِصَصًا تَفُوقُ الْخَيَالَ، وَأَنَّهَا فِي الرَّبْعِ الْخَالِي، وَلَكِنْ حَيْثُ لَمْ تَثْبُتْ أَخْبَارُهَا بِسَنَدٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْوَاقِعُ، فَقَالَ قَوْمٌ: قَدْ خُسِفَ بِهَا وَلَمْ تَعُدْ مَوْجُودَةً.

أَمَّا ثَمُودُ: فَقَدْ جَابُوا، أَيْ: نَحَتُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، بِوَادِ الْقُرَى فِي مَدَائِنِ صَالِحٍ، وَهِيَ بُيُوتُهُمْ مَوْجُودَةٌ حَتَّى الْآنَ.

وَأَمَّا فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ، فَقِيلَ: هِيَ أَوْتَادُ الْخِيَامِ، كَانَ يَتِدُهَا لِمَنْ يُعَذِّبُهُمْ.

وَقِيلَ: هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجُنُودِ يُثَبِّتُ بِهَا مُلْكَهُ.

وَقِيلَ: هِيَ أَكَمَاتٌ وَأَسْوَارٌ مُرْتَفِعَاتٌ، يُلْعَبُ لَهُ فِي مَرَابِعِهَا.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ مَا نَصُّهُ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ "، ذَكَرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ مَطَالٌّ، وَمَلَاعِبُ يُلْعَبُ لَهُ تَحْتَهَا مِنْ أَوْتَادٍ وَجِبَالٍ ".

وَالَّذِي يَظْهَرُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَنَّهَا مُرْتَفِعَةٌ، وَأَنَّهَا هِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بِالْأَهْرَامِ بِمِصْرَ، وَيُرَجِّحُ ذَلِكَ عِدَّةُ أُمُورٍ:

مِنْهَا: أَنَّهَا تُشْبِهُ الْأَوْتَادَ فِي مَنْظَرِهَا طَرَفُهُ إِلَى أَعْلَى، إِذِ الْقِمَّةُ شِبْهُ الْوَتَدِ، مُدَبَّبَةٌ بِالنِّسْبَةِ لَضَخَامَتِهَا، فَهِيَ بِشَكْلٍ مُثَلَّثٍ، قَاعِدَتُهُ إِلَى أَسْفَلَ وَطَرَفُهُ إِلَى أَعْلَى.

وَمِنْهَا: ذِكْرُهُ مَعَ ثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، بِجَامِعِ مَظَاهِرِ الْقُوَّةِ، فَأُولَئِكَ نَحَتُوا الصَّخْرَ بُيُوتًا فَارِهِينَ، وَهَؤُلَاءِ قَطَعُوا الصَّخْرَ الْكَبِيرَ مِنْ مَوْطِنٍ لَا جِبَالَ حَوْلَهُ، مِمَّا يَدُلُّ أَنَّهَا نُقِلَتْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَالْحَالُ أَنَّهَا قِطَعٌ كِبَارٌ صَخِرَاتٌ عِظَامٌ فَفِي اقْتِطَاعِهَا وَفِي نَقْلِهَا إِلَى مَحَلِّ بِنَائِهَا، وَفِي نَفْسِ الْبِنَاءِ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْجَبَرُوتِ، وَتَسْخِيرِ الْعِبَادِ فِي ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى الْأَهْرَامِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ وَالْمُشَاهَدَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلِكُلِّ جِيلٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>