للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ [٣٩ \ ٢١] .

فَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ ; لِأَنَّهُ كَالنَّبَاتِ سَوَاءٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا [٧١ \ ١٧ - ١٨] .

وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَى حَالَةِ الْخَوْفِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مَهْمَا طَالَ عُمُرُهُ، فَهُوَ فِي طَاعَةٍ، وَفِي ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ كَامِلُ الْعَقْلِ، وَقَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ أَنَّ حَافِظَ كِتَابِ اللَّهِ الْمُدَاوِمَ عَلَى تِلَاوَتِهِ، لَا يُصَابُ بِالْخَرَفِ وَلَا الْهَذَيَانِ.

وَقَدْ شَاهَدْنَا شَيْخَ الْقُرَّاءِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ الشَّيْخَ حَسَنَ الشَّاعِرَ، لَا زَالَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ عِنْدَ كِتَابَةِ هَذِهِ الْأَسْطُرِ تَجَاوَزَ الْمِائَةَ بِكَثِيرٍ، وَهُوَ لَا يَزَالُ يُقْرِئُ تَلَامِيذَهُ الْقُرْآنَ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرَ، وَقَدْ يَسْمَعُ لِأَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ يَقْرَءُونَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ وَهُوَ يَضْبُطُ عَلَى الْجَمِيعِ.

وَقَدْ رَوَى الشَّوْكَانِيُّ مِثْلَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.

أَيْ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ أَوْ غَيْرُ مَمْنُونٍ بِهِ عَلَيْهِمْ.

وَعَلَى الْأَوَّلِ: فَالْأَجْرُ هُوَ الثَّوَابُ، إِمَّا بِدَوَامِ أَعْمَالِهِمْ لِكَمَالِ عُقُولِهِمْ، وَإِمَّا بِأَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ تَكْتُبَ لَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ فِي حَالِ قُوَّتِهِمْ مِنْ صِيَامٍ وَقِيَامٍ، وَتَصَدُّقٍ مِنْ كَسْبِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِلْأَحَادِيثِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، فَيَظَلُّ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ.

وَعَلَى الثَّانِي: فَيَكُونُ الْأَجْرُ هُوَ النَّعِيمُ فِي الْجَنَّةِ يُعْطُونَهُ وَلَا يُمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُقْطَعُ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا [١٣ \ ٣٥] .

تَنْبِيهٌ

وَهُنَا وِجْهَةُ نَظَرٍ مِنْ وَجْهَيْنِ: وَجْهٌ خَاصٌّ وَآخَرُ عَامٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>