للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُنَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَقْرَؤُهُ وَلَكِنَّ مَجِيءَ سُورَةِ الْقَدْرِ بَعْدَهَا بِمَثَابَةِ الْبَيَانِ لِمَا يَقْرَؤُهُ وَهِيَ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [٩٧ \ ١] ، وَجَاءَ بَيَانُ مَا أُنْزِلَ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ: حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [٤ \ ١ - ٣] .

وَلِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ بَيَانٌ لِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [٤ \ ١١٣] ، فَكَأَنَّهُ فِي قُوَّةٍ اقْرَأْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْقُرْآنُ بِالْإِجْمَاعِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: بِاسْمِ رَبِّكَ، أَيِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ مُنْشِئًا وَمُبْتَدِئًا الْقِرَاءَةَ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى الْبَاءِ أَهِيَ صِلَةٌ، وَيَكُونُ اقْرَأِ اسْمَ رَبِّكَ، أَيْ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ، كَمَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ.

وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ عَلَى اسْمِ رَبِّكَ، وَعَلَيْهِ: فَالْمَقْرُوءُ مَحْذُوفٌ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: بِاسْمِ رَبِّكَ أَيْ أَنَّ مَا تَقْرَؤُهُ هُوَ مِنْ رَبِّكَ، وَتُبَلِّغُهُ لِلنَّاسِ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَأَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنْ رَبِّكَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [٥٣ \ ٣ - ٤] .

وَقَوْلِهِ: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ [٥ \ ٩٩] ، أَيْ: عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَكَقَوْلِهِ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [٤ \ ٦٤] .

وَنَظِيرُ هَذَا فِي الْأَعْرَافِ الْحَاضِرَةِ خِطَابُ الْحُكْمِ، أَوْ مَا يُسَمَّى خِطَابَ الْعَرْشِ، حِينَمَا يَقُولُ مُلْقِيهِ بِاسْمِ الْمَلِكِ، أَوْ بِاسْمِ الْأُمَّةِ، أَوْ بِاسْمِ الشَّعْبِ، عَلَى حَسَبِ نِظَامِ الدَّوْلَةِ، أَيْ بَاسِمِ السُّلْطَةِ الَّتِي مِنْهَا مَصْدَرُ التَّشْرِيعِ وَالتَّوْجِيهِ السِّيَاسِيِّ.

وَهُنَا بَاسِمِ اللَّهِ، بِاسْمِ رَبِّكَ، وَصِفَةُ رَبِّكَ هُنَا لَهَا مَدْلُولُ الرُّبُوبِيَّةِ الَّذِي يُنَبِّهُ الْعَبْدَ إِلَى مَا أَوْلَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، إِذِ الرَّبُّ يَفْعَلُ لِعَبْدِهِ مَا يُصْلِحُهُ، وَمِنْ كَمَالِ إِصْلَاحِهِ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ وَحْيَهُ بِخَبَرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِي إِضَافَتِهِ إِلَى الْمُخَاطَبِ إِينَاسٌ لَهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَصْفُ الرَّبِّ بِـ الَّذِي خَلَقَ مَعَ إِطْلَاقِ الْوَصْفِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ صِفَةَ الْخَلْقِ هِيَ أَقْرَبُ الصِّفَاتِ إِلَى مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ، وَلِأَنَّهَا أَجْمَعُ الصِّفَاتِ لِلتَّعْرِيفِ بِاللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>