للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَعْظِيمِ الْمِنَّةِ وَتَعْظِيمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي قَوْلِهِ: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [٣٨ \ ٢٩] ، فَقَالَ: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ بِضَمِيرِ التَّعْظِيمِ، ثُمَّ قَالَ فِي وَصْفِ الْكِتَابِ: مُبَارَكٌ.

وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّعْظِيمِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ ص هَذِهِ: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ.

وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ جَاءَتِ الضَّمَائِرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصِيَغِ الْجَمْعِ لِلتَّعْظِيمِ وَبِصِيَغِ الْإِفْرَادِ، فَمِنْ صِيَغِ الْجَمْعِ مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ صِيَغِ الْإِفْرَادِ قَوْلُهُ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [٢ \ ٣٠] ، وَقَوْلُهُ: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ [٣٨ \ ٧١] ، وَقَوْلُهُ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [٢ \ ٣٠] .

وَيُلَاحَظُ فِي صِيَغِ الْإِفْرَادِ: أَنَّهَا فِي مَوَاضِعِ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، كَالْأَوَّلِ فِي مَقَامِ خَلْقِ الْبَشَرِ مِنْ طِينٍ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ.

وَالثَّانِي: فِي مَقَامِ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، فَسَوَاءٌ جِيءَ بِضَمِيرٍ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ أَوِ الْإِفْرَادِ، فَفِيهَا كُلِّهَا تَعْظِيمٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَوَاءٌ بِنَصِّهَا وَأَصْلِ الْوَضْعِ أَوْ بِالْقَرِينَةِ فِي السِّيَاقِ.

ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي الْمُنْزَلِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، هَلْ هُوَ الْكُلُّ أَوِ الْبَعْضُ؟

فَقِيلَ: وَهُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ أَوَائِلُ تِلْكَ السُّورَةِ فَقَطْ أَيْ: بِدَايَةُ الْوَحْيِ بِالْقُرْآنِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «ثُمَّ تَتَالَى نُزُولُ الْوَحْيِ، بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ عِشْرُونَ سَنَةً» .

وَقِيلَ: الْمُنْزَلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، هُوَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ صَارَ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَجَّمًا حَسَبَ الْوَقَائِعِ.

وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَقَدِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ عِنْدُ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [٢ \ ١٨٥] ، وَحَكَّاهُ الْأَلُوسِيُّ وَحَكَى عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ.

وَعَنِ ابْنِ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَلِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلٌ يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>